وهل ذهبت معهم؟
ـ طبعاً بعدما تعارفنا حيث قال لي: أنا جاك وصديقي أبراهام واعطيتهما نفس البطاقة التي أحملها بأسمى ووظيفتي كمدير لشركة أبي سنبل السياحية. وتحدثت معهما عن ظروفي وكيف وصل بي الحال لعامل على إحدى السفن اليونانية, فبادرني جاك بعرض لم يخطر على بال أحد حيث قال لي: أبي يمتلك شركة للحديد والصلب وأنا مديرها العام.. فما رأيك بوظيفة في هذه الشركة براتب خمسة آلاف جنيه استرليني شهرياً.؟ يضحك الهوان قائلا: كان هذا العرض طبعاً كفيلا بأن يجعلني أقع مغشياً علي, وأن ينسيني جوجو وما حدث منها, واتفقنا على اللقاء في اليوم التالي للاتفاق على التفاصيل ووضع الاتفاق في الصيغة النهائية وكيفية التخلص من العمل على السفينة والحصول على جواز سفري للالتحاق بالعمل الجديد. وفي اليوم التالي وجدتهما على الرصيف الذي ترسو عليه السفينة فاستضفتهما, وأثناء انشغالي بغسل أكواب القهوة لمحت ابراهام يضع يده في جيب البالطو الخاص بي.. تجاهلت الموقف وكأنني لم ألحظ شيئاً ومضيت في استضافتهما, ثم دعيانني على العشاء في أشهر مطعم.. وهناك أصر على جلوسي في مكان على المائدة في مواجهة فتاة جميلة جداً.. أخذت هذه الفتاة تغازلني بشكل جريء.. ولكن حيائي منعني من النظر إليها, ويضحك الهوان قائلاً: لكن (أزاي) فقد كانت في مواجهتي تماماً... وهنا تدخل جاك وسألني فاشرت إلى الفتاة, فأشار علي أن ادعوها للانضمام إلينا, وفعلا قمت لأدعوها, وانضمت إلينا, وفي أثناء انشغالي بها إذا بجاك يبشرني بموافقة الشركة على انضمامي للعمل بها شريطة أن تكون هناك ضمانات خاصة بي مثل مستندات شركة السياحة... ولكنني أجبته موضحاً أن الحرب أتت على كل شيء ولولا هذا ما كنت هنا أصلاً.. وقلت له: كل ما أملك هو جواز سفري وليس معي بل مع القبطان, فقال جاك يمكن أن يضمنني لدى الشركة ولكن بشرط أن أكتب أسماء وعناوين وتلفونات أقاربي, وبعد ذلك أفتعل مشاجرة على ظهر السفينة حتى تتدخل الشرطة ويتم فصلي واستلم جواز السفر.. ثم يتم تدخل جاك وأبراهام لاستلامي من الشرطة.. يقول الهوان موضحاً: هكذا كانت خطتهم التي رسماها ونحن نتناول العشاء.. وبعد الانتهاء من العشاء أشار على أبراهام اصطحاب الفتاة التي تعرفت عليها ـ وكانت تدعى راشيل ـ وذلك لقضاء الليلة في أحد الفنادق الكبرى وقد تم حجز جناح لي وطلب مني أن أكتب أسماء وعناوين أهم الشخصيات من الأقارب والمعارف وأتركها مع راشيل.. * أتدخل بالسؤال: وهنا ألم تلحظ أن هناك شيئاً غريباً؟ ـ ويستكمل قائلاً: طبعاً الضوء الأحمر بدأ يضيء داخلي وبدأت الشكوك والاستفسارات العديدة تقفز إلى ذهني: ما هي علاقة الضمانات بأسماء وكبار الشخصيات من الأهل؟ وما علاقة جوجو بهذا المكان الذي أعطتني عنوانه والتقيت فيه بأبراهام وجاك؟ ولماذا حاول ابراهام أن يتسلل بيده في جيب البالطو الخاص بي؟ وما قصة هذا العمل والعرض المغري المفاجئ؟ وأخيراً لماذا طلبوا مني أن اترك الأسماء مع راشيل وهي التي من المفروض ان تعرفنا عليها بالصدفة. * كيف تصرفت وما رد فعلك؟ ـ جلست على منضدة صغيرة وبدأت في كتابة أسماء حقيقية عن عائلتي ومعارفي وتعمدت كتابة أسماء بعض العسكريين من بينهم لواء يشغل مركزاً مرموقاً بإحدى محطات الصواريخ المصرية وتركت الورقة مع راشيل وعدت إلى السفينة وأنا على يقين من أنني وقعت فريسة لإحدى دوائر التجسس أو أجهزة المخابرات وطبعا لم أكن أعرف ولم أسمع عن شيء اسمه (الموساد) ولكن كل هذه الأحداث وأسماء ابراهام وجاك تشير إلى أنهم يهود..
ألم يكن أمامك فرصة للهرب؟
ـ إلى أين أهرب والغربة صعبة.. ثم أن جواز سفري مع القبطان ولابد حتى أعود لبلدي أن أحصل على الجواز, ولم يكن أمامي إلا تنفيذ ما اتفقت عليه مع ابراهام وجاك, وصعدت إلى ظهر السفينة وافتعلت خلافاً مع أحد أفراد الطاقم وضربته ضرباً مبرحا, ولكن القبطان الذي كان يحبني لم يستدع الشرطة, ولم تفلح الحيلة, فسألت القبطان مباشرة أن يسلمني جواز سفري لأتمكن من مغادرة السفينة. ولكن أجابني بأن السفينة ستتجه إلى النرويج وهناك سيكون البديل ويمكن أن تتسلم جواز سفرك.. هكذا قال لي القبطان, وذهبت محبطاً لاحكي لأبراهام وجاك. فقال ابراهام ان السفينة ستتجه إلى الدنمارك.. وهنا بدأت شكوكي تتحول إلى يقين عندما رست السفينة في أحد موانئ الدنمارك. وهناك نزلت إلى رصيف الميناء لأجد ابراهام يستقبلني بحرارة, وأخبرته أن القبطان قال لي أن البديل لم يتوفر فأخرج ابراهام من جيبه خطابا عليه طابع مصري بخاتم مصري ومكتوبا عليه اسم الراسل (أم الهوان) يقول الهوان: أدركت الخدعة وأخذت الخطاب وذهبت إلى القبطان منهاراً وقلت له أمي بين الحياة والموت ولابد أن أسافر لأراها... ويستدرك الهوان قائلاً: أمام هذه الحالة الانسانية وافق القبطان على تسليمي جواز سفري والسماح لي بمغادرة السفينة. وما أن امسكت بالجواز حتى طرت إلى ابراهام, وفي إحدى السيارات قريباً من الميناء جلسنا وهنأني على تسلمي جواز سفري وفوجئت به يخرج من جيبه لفة نقود. قلت له.. ما هذا.. قال خمسة الاف استرليني راتب شهر مقدماً.. وطلب مني أن أستقل القطار من كيلي إلى بريمن.. وهناك ـ الكلام لابراهام ـ ستجد في مواجهة محطة القطار فندق كولومبس وجناحاً محجوزاً باسم مسيو عبدالرحمن.. انتظرني هناك... ويمضي الهوان في كلامه قائلا: ودعني ابراهام وخرجت ابحث عن سيارة أجرة تصحبني لمحطة القطار فوجدت سائق تاكسي يقف أمامي ويسألني عن وجهتي فقلت إلى محطة القطار فعاد وسألني إلى أين ستسافر قلت له إلى بريمن فقال ماذا لو أوصلتك مقابل مائة دولار, وكنت أعرف أن تذكرة القطار قيمتها 120 دولارا فوافقت, وفي الطريق راح يدعوني على مشروبات ومأكولات بأكثر من مائة دولار.. ولم يكن هناك أدنى شك أن هذا السائق تابع لأبراهام. ويمضي الهوان في سرد الأحداث وصلت الفندق وسألت عن الجناح المحجوز لي باسم مسيو عبدالرحمن, فاصطحبني عامل الفندق إلى جناحي وإذا بي لا أجد أي أثاث وقبل ان أبدي دهشتي وجدت العامل يمسك بريموت كنترول ويقوم باخراج الاثاث من الحائط.. ويقول الهوان: رغم انبهاري الشديد إلا أن التوتر كان مسيطرا على كل حواسي من هذا المجهول الذي ينتظرني.. وعدم تمكني من الفكاك مما وقعت فيه.. ويكمل الهوان: في اليوم التالي استيقظت على طرق ابراهام وجاك على باب غرفتي ومعهما العامل يحمل ما لذ وطاب من طعام.. فاستقبلتهما بشعور غريب جداً ولكنني حاولت جاهدا أن أكون طبيعياً.. ورحنا نتناول الافطار ولم أستطع منع نفسي من الشرود.. الذي قطعه جاك بقوله بالعربية الركيكة: (عشان يبقى فيه عيش وملح) رغما عني لم أستطع التجاوب معه بل ذهبت بفكري الى السويس حيث القتلى والخراب والدمار ووجدتني اقول في نفسي عيش وملح معكم يا سفاحين! كيف ومرة اخرى يقطع شرودي ابراهام الذي بادرني بالقول: لابد أنك تفتقد الاسرة وهنا افقت وخشية ان يقرأ احدهما افكاري.. قلت له متصنعا الاسى: فعلا وحشوني قوي فهذه اول مرة ابعد عنهم.. فتدخل جاك قائلا: سوف تراهم يا هوان, وقبل ان ابدي دهشتي او اتساءل كيف اكمل قائلا: انت تعرف اننا نمتلك شركة للحديد والصلب ونرغب في افتتاح فرع لها في مصر.. وستتولى انت ادارته, نريدك ان تفتح مكتبا في ارقى شوارع القاهرة بطاقم سكرتارية يجيد اللغات.. كما تعلم فان الراتب الشهري خمسة الاف استرليني ومصاريف للمكتب ألف استرليني للعام كله..
* وكيف استقبلت هذا العرض؟
ـ كنت انتظر منهما الافصاح عن حقيقتهما, ولكن الذي حدث انهما لهم يعطياني فرصة لمجرد التعليق اذ راحا يتكلمان بشكل متواصل كل واحد يلتقط من الاخر الكلمة ويكمل.. فبعدما تحدث جاك عن مكتب القاهرة.. تدخل ابراهام قائلا هناك العديد من السفن المحتجزة في البحيرات سيتم بيعها في مزاد علني عالمي.. نريد كل شيء عن هذه السفن, الاطوال والاحجام, وما تقوم بشحنه. وكل التفاصيل الخاصة بها.. لاننا ننوي الدخول في المزاد وشراءها, والتقط جاك الكلمة مشيرا الى حقيبة وقال: في هذه الحقيبة (185) الف دولار مصاريف فتح المكتب وتأثيثه, كما اشار الى حقيبتين كبيرتين قائلا: وهذه الحقائب بها ملابس وهدايا لزوجتك وابنائك, واختتم جاك كلامه قائلا: هل أنت مستعد للقيام بأول مهمة فمسألة السفن هامة جدا.. اجبته متظاهرا بالزهو والسعادة: يا عزيزي بالتليفون تكون كل التفاصيل لدي منطقة القناة كلها تحت امري. * يصمت الهوان برهة مسترجعا تلك الاحداث, فابادره بالسؤال: هل تحاول التذكر!؟ ـ يطلق الهوان ضحكة كلها مرارة ويقول: كيف انسى؟! ان هذه الاحداث التي مر عليها اكثر من ثلاثين عاما لم تتركني لحظة, بل لم انس منها اي تفصيلة وكأنها حدثت بالامس.. ويعتدل الهوان في جلسته ويسترسل مستكملا ما حدث قائلا: لقد تركاني ـ يقصد ابراهام وجاك ـ يومين لانعم باجازة اقضيها في مرح وسهر.. ولكنني لم انعم حتى بنوم هادئ لدقائق فقد بات كل شيء واضحا وضوح الشمس. في اليوم الثالث حضر ابراهام وجاك واوصلاني للمطار وقالا لي سنراك في فرانكفورت حيث ترانزيت الطائرة.. وفعلا وصلت الطائرة لمطار فرانكفورت وهناك تقابلت معهما ليبديا مزيدا من التأكيد والاهتمام على مهمتي
يتبع