عادت الممرضات البلغاريات إلي أحضان أسرهن في صوفيا وتجنبن مشقة السجن المؤبد مقابل ٤٦٠ مليون دولار لعائلات ٤٣٨ طفلاً ليبياً أصيبوا بالإيدز وتوفي منهم ٥٦ ضحية.. إلا أن القضية التي استغرقت أشواطاً طويلة من التصريحات المتبادلة والمساومات المختلفة بين الغرب وليبيا، لا يجب أن تنتهي وتتم تسويتها عند حدود هذه الصفقة، إذ إن تعويض أهالي الأطفال الضحايا مادياً لا يخرج عن كونه «رشوة دولية» لتهدئة الأجواء والتغطية علي تورط الجناة في جريمة لا يدفع ثمنها سوي أطفال أبرياء!!، ومن ثم أصبحت الكرة الآن في ملعب الحكومة الليبية لاستغلال «تسامحها» مع المتهمين بممارسة ضغوط علي الغرب وإجباره علي التعاون مع طرابلس في إطار عدة مستويات مهمة،
ويمكن النظر إلي المذكرة الموقعة بين المفوضية الأوروبية وليبيا باعتبارها فرصة ذهبية وطوق نجاة لخروج ليبيا من عزلتها الدولية والحصار السياسي والاقتصادي وصولاً إلي صياغة شكل جديد وإيجابي لطبيعة العلاقات مع قوي الغرب المتعددة ويتطلب الواقع حالياً التركيز علي سرعة تنفيذ وتطبيق أكثر جوانب المذكرة أهمية وارتباطاً بجوهر الصفقة الأخيرة، وتتمثل في شقين أساسيين:
* الأول يتعلق بمستقبل ومصير الأطفال الضحايا ومتابعة التزام الاتحاد الأوروبي بتوفير العلاج الطبي المناسب والمتطابق مع المعايير الدولية، إما بالعلاج داخل مستشفيات أوروبية علي نفقة الاتحاد أو تطوع الدول الأعضاء لعرض خدماتها بما يحقق الشفاء للأطفال المصابين في أقرب وقت.
* أما الشق الثاني فيكتسب خصوصيته من واقع تصريحات وزير الخارجية الليبي عبدالرحمن شلقم، عندما وصف ترتيبات الصفقة بأنها خطوة لتحقيق مكاسب سياسية، وأكثر ما يعبر عن هذه المكاسب المرجوة هو توسيع نطاق العلاقات التجارية مع الغرب واستثمار وعود الاتحاد الأوروبي ـ لإتمام صفقة الممرضات ـ بتعزيز سبل التعاون مع طرابلس، وهو ما يقتضي من ليبيا الضغط المستمر علي الجانب الآخر لترجمة هذه الوعود عملياً وفقاً لما جاء في المذكرة.. وعلي مدار الشهور المقبلة يواجه الاتحاد الأوروبي التزاماً مكتوباً وموثقاً بتسهيل دخول الصادرات الليبية إلي السوق الأوروبية وتوفير مساعدات تقنية ومالية في مجال الآثار، فضلاً عن إقامة تدابير مراقبة للحدود لمواجهة الهجرة غير الشرعية تحسباً لأي توتر في المستقبل بين ليبيا وأوروبا.
وستحمل الأيام المقبلة الإجابة الحقيقية عن السؤال الرئيسي في هذه القضية، وهو هل تنجح ليبيا في تسخير صفقة الممرضات وتوظيف حقوقها القانونية والإنسانية للوصول إلي مكاسب سياسية بعيدة المدي، أم تقع في الفخ وتمتثل تدريجياً لسياسة الغرب في التسويف وإرجاء الوعود لتسقط القضية بالتقادم ويصبح الأطفال الأبرياء «الخاسر الوحيد»؟!.
wtrm hgllvqhj>> vihk gdfdh gYpvh[ hgyvf