صاحبة الأمنية
(ميمونة بنت الحارث)
كانت آخر من تزوج الرسول (، وعرفت بالعبادة واشتهرت بالزهد، قالت عنها أم المؤمنين السيدة عائشة -رضى اللَّه عنها-: "إنها كانت من أتقانا للَّه وأوصلنا للرحم" [الحاكم وابن سعد].
جاهدت في سبيل اللَّه واشتركت في معركة تبوك تنقل إلى المجاهدين الماء والزاد، وتسعف الجرحى، وتداوى المرضي، وتضمد جراحهم، وقد أصابها يومئذٍ سهم من سهام الكفار، لكن عناية اللَّه حفظتها.
إنها أم المؤمنين السيدة ميمونة بنت الحارث الهلالية، إحدى الأخوات الأربع اللائى سماهن نبى اللَّه ( الأخوات المؤمنات، وهن: أم الفضل زوج العباس عم النبي (، وأسماء بنت عُمَيْس زوج جعفر بن أبى طالب، وسَـلْمَى بنت عُميس زوج حمزة بن عبد المطلب عم النبي (، وميمونة بنت الحارث زوج النبي (. وكانت أمهن هند بنت عوف أكرم عجوز في الأرض أصهارًا، فقد تزوج النبي ( ابنتيها: زينب بنت خزيمة، وميمونة بنت الحارث.
وقد تزوجت السيدة ميمونة -رضى الله عنها- مرتين قبل زواجها بالنبى (، فقد تزوجها مسعود بن عمرو بن عمر الثقفي، فلما توفى تزوجها أبو رهم بن عبد العزى بن أبى قيس، ولما توفى كانت زوجًا لرسول الله (.
وكانت السيدة ميمونة -رضى الله عنها- تعرف باسم "بَرَّة" فسماها النبي ( ميمونة، لأنه تزوجها في يوم مبارك -يوم عمرة القضـاء-، وكان عـمرها حينــئـذ ستّـا وعشرين سنـة. [الحاكم وابن سعد].
وكانت -رضى الله عنها- مؤمنة تحب الله ورسوله، وتتمنى أن تنال شرف الزواج برسول الله (، وتكون أمَّا للمؤمنين.
وفى السنة السابعة للهجرة -وبعد صلح الحديبية- كانت عمرة القضاء، فقد جاء النبي ومعه المسلمون لأداء العمرة في العام السابق فمنعهم المشركون، فوقَّعوا صلحًا، على أن يعودوا لأداء العمرة في العام المقبل، وأن تكون مدة العمرة ثلاثة أيام، ولما جاءوا لأداء العمرة -فى السنة السابعة من الهجرة المباركة- أخذت ميمونة تحدث شقيقتها أم الفضل -رضى الله عنها- عن أمنيتها في أن تكون زوجًا للنبى وأمَّا للمؤمنين، فاستبشرت أم الفضل خيرًا وحدّثت زوجها العباس عم النبي ( بذلك ،فذكرها العباسُ للنبى (، فوافق على زواجه منها، فكان ذلك إعزازًا وتقديرًا وشرفًا لها، وتعويضًا لها عن فقد عائلها، فأصدقها النبي ( أربعمائة درهم، وكان قد بعث ابن عمه جعفرًا -زوج أختها أسماء- يخطبها، فلما جاءها الخاطب بالبشرى - وكانت على بعير- قالت: البعير وماعليه لرسول اللَّه، وجعلت العباس وليها في أمر الزواج.
وفى رواية أن ميمونة هي التي وهبت نفسها لرسول اللَّه ( فأنزل اللَّه تعالي: (وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ)[الأحزاب: 50].
ولما قاربت مدة العمرة التي اتفقوا عليها -الأيام الثلاثة- طلب النبي ( من مشركى مكة أن يمهلوه وقتًا حتى يتم الزواج بميمونة، فقال لهم: "ما عليكم لو تركتمونى فأعرست بين أظهركم، وصنعنا لكم طعامًا فحضرتموه" [ابن سعد وابن عبد البر]. فرفضوا، ومع إيمان الرسول ( بنصر اللَّه إلا أنه أبى إلا أن يفى بوعده معهم، وخرج ( حتى اقترب من مكان يسمى سَرف يبعد عن مكة بعشرة أميال، فأتمّ زواجه من ميمونة، وكان ذلك في شهر ذى القعدة سنة سبع من الهجرة.
عاشت ميمونة -بعد ذلك- مع النبي ( تحيا بين جنبات القرآن، وروت -رضى اللَّه عنها- ثلاثة عشر حديثًا.
ولما حانت منيتها في عام الحرة سنة ثلاث وستين، وكانت بمكة، وليس عندها أحد من بنى أخيها، قالت: أخرجونى من مكة، فإنى لا أموت بها، إن رسول اللَّه ( أَخْبَرَنى أنى لا أموت بمكة فحملوها حتى أتوا بها (سرف) - عند الشجرة التي بنى بها رسول اللَّه فتوفيت هناك، وعمرها حينئذ 81 سنة، وحضر جنازتها ابن عباس -رضى اللَّه عنهما- وغيره من الصحابة.
أم إبراهيم المصرية
(مارية القبطية)
مؤمنة من أهل مصر، ارتبط اسمها بالسيدة هاجـر، زوج خليـل الله إبراهيم -عليه السلام-، تزوجت من نبي، وأنجبت له ولدًا، وقدمت إلى بلاد الحجاز؛ لتسكن يثرب. وقد بَـيَّن النبي ( أن له بمصر رحمًا؛ وأوصى أصحابه بالإحسان إلى أهلها عند فتحها، فقال (: "إنكم ستفتحون مصر، وهى أرض يسمى فيها القيراط، فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإن لهم ذمة ورحمًا" (أى صهرًا) [مسلم].
إنها مارية بنت شمعون، أهداها المقوقس - عظيم القبط في مصر- للنبى ومعها أختها سيرين، وعبد خصى يُدْعَى مأبور، وأَلْف مثقال ذهب، وعشرون ثوبًا لينًا من نسيج مصر، وبغلة شهباء تُسمى دلدل، وبعض من عسل، وبعض المسك، وبعض أعواد البخور. وقد حملها إلى النبي ( حاطبُ بن أبى بلتعة رسول النبي ( إلى المقوقس. وقد عرض حاطب الإسلام على مارية فأسلمت.
وُلدت مارية بقرية تدعى حَفن تقع على شرق النيل في صعيد مصر، وقضت فيها طفولتها، فلما شبت انتقلت مع أختها سيرين إلى قصر المقوقس بالإسكندرية.
فلما وصلت هدية المقوقس إلى نبى اللَّه محمد ( أنزل مارية وأختها سيرين على أم سليم الغميصاء بنت ملحان، ثم وهب سيرين إلى شاعره حسان بن ثابت، واحتفظ لنفسه بالسيدة مارية -رضى الله عنها-. أكرمها النبي (، ونزلت من قلبه منزلة عظيمة، وكانت -رضى الله عنها- جميلة، وأنزلها أول ما قدم بها في بيت لحارثة بن النعمان الأنصاري، فكانت بجوار السيدة عائشة، وكان النبي ( يقضى معظم الليل والنهار عندها، فحزنت لذلك السيدة عائشة، وغارت عليها فحولها النبي( إلى العالية بضواحى المدينة وكان يذهب إليها هناك، وبعد سنة تقريبًا أنجبت مارية للنبى ابنه إبراهيم في ذى الحجة سنة ثمانِ من الهجرة. -ويقال: إن النبي بعدها أعتقها وتزوجها- وقد فرح النبي ( بابنه فرحًا كبيرًا؛ وسماه في اليوم السابع إبراهيم، وحلق شعره وتصدق بوزنه فضة، وعَقَّ عنه بكبش.
مرض "إبراهيم" ابن رسول اللَّه (، وخطفه الموت من أبويه في ربيع الأول سنة إحدى عشر من الهجرة بعد أن عاش في حجرهما سبعة عشر شهرًا، فوضعه النبي بين يديه وذرفت عيناه عليه، وقال: "إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضى ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون" [متفق عليه]. ويروى أن مارية وأختها سيرين كانتا تبكيان على إبراهيم.
وتوفى النبي ( بعد وفاة ابنه إبراهيم بسنة واحدة، ولم تعمِّر السيدة مارية -رضى الله عنها- بعد وفاة رسول الله ( طويلا؛ حيث توفيت -رضى اللَّه عنها- سنة ست عشرة من الهجرة، وصلى عليها عمر بن الخطاب -رضى اللَّه عنه-، ودفنت بالبقيع بجانب أمهات المؤمنين.
وبعد فتح مصر سنة عشرين من الهجرة اهتم الصحابى الجليل عبادة بن الصامت بالبحث عن القرية التي ولدت بها السيدة مارية، وبنى بها مسجدًا، وتعرف الآن ببلدة الشيخ عبادة.