تاريخ التسجيل: 2009-11-29
الدولة: الشرقية
المشاركات: 3,112
التقييم: 430
|
الاختلاف والتشابه في اللهجات تولد اللهجات ماذا يطرأ على اللغة بمرور الزمن ؟ وكيف تتولد اللهجات ؟
تنبثق من اللغة بمرور الزمن لهجات متعددة , وذلك لأن اللسان الإنساني ميال بتأثر من الطبع والمزاج الذي يتأثر بالظروف المحيطة والأحوال إلى إحداث تغيير في الألفاظ كفيل مع تعاقب الأجيال باستحداث لهجة تحدد في إطار تعبيري خاص بها , وهذا كائن على صعيد المجتمعات الصغيرة كقبيلة أو قرية أو حي في مدينة .
وعليه فإن المجتمع الكبير في قطر من الأقطار يكون محتويا على العشرات من اللهجات الأولية التي تتبع كلها للهجة القطر بأكمله . ولهجة القطر هذه تكون قد اتخذت من الألفاظ والجمل والمصطلحات التعبيرية الخاصة بها ما يجعلها تبدو بعد زمن طويل لغة منفصلة عن اللغة التي انبثقت منها في الأصل .
لا شك أن تشابها في الكلمات قد يظل قائما يلاحظ لأول وهلة بين اللهجة واللغة التي انبثقت منها وتماثلا في كثير من التراكيب اللغوية , ولكن الاختلاف في نطق كثير من الكلمات والجمل وطرق التعبير عامة بينهما يكون كفيلا بإعطاء تلك اللهجة شخصية اعتبارية كلغة مستقلة .
ولأن الإنسان ابن مجتمعه , تنعكس عليه سلبيات ذلك المجتمع وإيجابياته , فإن من الصواب دراسة اللغة كظاهرة اجتماعية تتأثر بنوع المجتمع وبيئته , ناهيك عن حالة الفرد النفسية والتعليمية . وعليه , فسوف نحاول التعرف على طبيعة التطورات التي تطرأ على اللغة .
الكلام ظاهرة إنسانية تتأثر بأحوال الإنسان المتقلبة ؛ الفرح والغضب والتساؤل والدهشة والتعجب والاستنكار والاستغراب والإصرار والملل إلى غير ذلك . وتحدث التغييرات على لفظ الكلمات بدافع من حالة الإنسان النفسية فقد يرفع الصوت عند نطق الحرف أو يخفضه , وقد يشد عليه بشكل مميز . أو يرققه أويفخمه فيؤثر تصرفه في لفظ الكلمة , فيستغرق لفظها مدة أطول من اللازم أو أقصر مما ينبغي . قد يؤدي تسرعه في لفظ الكلمة إلى التخلي عن الحرف الأخير أو قلب حرف إلى آخر أو إدخال حرف جديد في الكلمة .
وهكذا فإن مجتمعا من الناس يمكن أن يحدث عددا من التغييرات على اللهجة , وإن تعايش أفراد هذا المجتمع معا يوجد بينهم تعارفا على تلك التغييرات لتلقيهم إياها من مصادرها , فتكون سمات لغوية لهم .
هذا المجتمع قد يكون سكان قرية أو حي في مدينة ؛ أي أن المدينة قد تحتوي على مجموعة سمات لغوية بسيطة بعدد أحيائها . وبسبب اقتراب تلك الأحياء من بعضها يختلط سكانها بشكل كبير , وتتكون من تلك السمات اللغوية مجتمعة سمة غالبة على أهل المدينة تكون لهجة مميزة لها عن غيرها من أقاليم البلاد .
وبمقدار ما لتلك المدينة أو لإقليمها من ثقل في إدارة شؤون الدولة يكون تأثير لهجتها على لغة تلك الدولة , وربما طغت بعد زمن طويل على غيرها من اللهجات , بل ربما صبغت اللغة بصبغتها .
وربما أدت الكتابة وتسجيل الأحداث وتأليف الكتب إلى توقف تأثير اللهجات المستمرة في الخروج من اللغة وإلى انحسارها إلى حد معين بحيث تظل محصورة في أضيق حدودها لسيادة لغة الكتابة على البلاد , وذلك إلى أجل قد يطول أو يقصر تبعا لظروف تلك البلاد .
وعليه فإن طغيان اللهجات الجديدة على اللسان السائد , وتعدد اللهجات المنبثقة منه أمر نسبي وله ارتباط بمدى تحضر الأمم ؛ فكلما كان المجتمع متحضرا كلما سادت اللغة مدة أطول , وظلت اللهجات عاجزة زمنا عن القضاء عليها والحلول محلها , وكلما كان المجتمع بدائيا أو قريبا من ذلك , كلما تسارعت اللهجات في الظهور وطغت على لسان المجتمع . وكمثال على هذا في أيامنا : سيادة اللغات الحية كالإنكليزية أو الفرنسية على مجتمعات عدة ومساحات واسعة , وتعدد اللهجات في مجتمع صغير كما في جنوب السودان .
الأثر الاجتماعي والنفسي على اللهجة تتأثر اللهجة بالمستويات الاجتماعية المختلفة , إذ تنتشر في أوساط العمال والفقراء كلمات وجمل وأساليب تعبيرية تختلف عن مثيلاتها من حيث الدلالات والمستويات التعبيرية عند الطبقة الاجتماعية الراقية التي تمتاز بالترف والثقافة العالية والمكانة الاجتماعية الرفيعة .
وسنأتي بمثال من المجتمع الأردني : فلو طلبنا من شخصين يمثلان تلكما الطبقتين بأن يروي أحدهما قصة مثلا وأن يعيد الآخر رواية القصة نفسها لاستطعنا أن نميز الاختلاف من خلال لفظ الذال ظاء في هذا أو جعل القاف ألفا في قال , أو جعل الثاء تاء في انين أو ترقيق الجيم المعطشة لتصبح أقرب إلى الشين .
ولكن الحكم في هذا الأمر يظل نسبيا , أي أن الطبقة العاملة أو الفقيرة قد تضم أناسا يتكلمون بأسلوب الطبقة الثانية , بينما قد ينتسب إلى طبقة الأغنياء أناس يرفضون التحدث بلهجة الطبقة الراقية لكونها ناعمة بشكل يرفضونه , ولأنهم يحبون اللهجة التي تناسب الطبقة المتوسطة لكونها أقرب إلى الرجولة حست مفهومهم . ولكن أهل تلك اللهجة الناعمة لو سئلوا عن لهجتهم لقالوا إنها حضارية وتخلو من الوعورة , وأن مفهوم الرجولة مسألة نسبية .
تأثير البيئة على الإنسان لا يخفى على أحد , فهو يهجر الأماكن شديدة الحرارة وشديدة البرودة إلى الأماكن المعتدلة , وإن لم يستطع راح يكيف مسكنه بأجهزة التبريد صيفا والتدفئة شتاء . ولا يقل عن ذلك تأثير الحالة الاقتصادية عليه , فهو إن امتلك المال استطاع تحقيق رغباته , وإلا فإنه يظل محروما . إنه يتأثر نفسيا بالمناخ , راحة أو انزعاجا , وبالمال إن توفر أو شح رضا أو سخطا , وهو في جميع الحالات بعبر عن حالته النفسية باللغة تعبيرا لا شك بأنه يتأثر بمستواه الثقافي . وهكذا فإن اللغة ظاهرة إنسانية يصدق على دراستها ما يصدق على دراسة سائر الظواهر الاجتماعية .
إنه في حديثه – من دون الالتزام بأساليب الحديث الأصلية في اللغة – يكون عرضة لإحداث تشوه في الألفاظ أو التراكيب الكلامية "الجمل " , قد يكون مسرعا فيخفي حرفا يسهل إخفاؤه أو يسقط الحرف الأخير , أو لعجلته يقلب الكلمة . قد يكون بسبب إحساسه بالملل لا يجد لديه الاستعداد ليلفظ حرفا كالباء أو الضاد مثلا على الشكل الصحيح , فتخرج الباء كحرف V في الإنكليزية والضاد ظاء .
وبوجود هذه الحالة النفسية المتقلبة فإنه قد لا يكون مهتما في لفظ الأحرف على أصولها فسيتبدل حرفا بآخر له مخرج قريب من مخرج الحرف الأول فتصبح الألف هاء والقاف غينا . قد يسأله أحد سؤالا أو يلقي عليه التحية , ولعجلته واختصارا للوقت قد يعطي شيئا من الكلمة ويمسك عن باقي حروفها .
وهكذا فإن بنية الكلمة عرضة لأن يجري عليها بعض التغيير الذي قد يكون في البداية بسيطا وربما يزداد مع الزمن وتغير الظروف الإنسانية . فقد يكون في إبدال حرف بحرف في أي مكان من الكلمة في أولها أو وسطها أو آخرها .
فإن كانت الكلمة في الأصل مكونة من حرفين فإن مجرد إبدال حرف منهما يغير الكلمة , وليس التغيير في كل الكلمات شيئا حتميا . وتختلف مستويات التغيير في الكلمات , فقد يكون شيئا يسيرا في بعض الأحيان , وقد يكون كبيرا في أحيان أخرى , وقد يكون بحذف مقطع من أول الكلمة أو من آخرها , وقد يكون بقلب الكلمة أو تغيير ترتيب الحروف .
وتقارب مخارج الحروف وميل اللسان إلى ما يعتقد أنه تخفيف في اللفظ يعطي الحرف مخرجا غير مخرجه الأصلي فيستبدل به . إن مخارج القاف والكاف والجيم المصرية متقاربة , وقد يكون إبدال القاف بأحد المخرجين الآخرين أمرا محتملا . وكذلك احتمال إبدال القاف بالألف لاقتراب مخرجيهما في الحلق , وإبدال الألف بالهاء أو العكس والسين بالشين أو العكس والفاء بالباء أو العكس .
وانزلاق اللسان عن مخرج الحرف لا يقتصر على إبداله بحرف آخر معروف في العربية بل قد يصطنع له مخرجا جديدا بلفظ جديد ثم رسم جديد متعرف عليه كما في اللغات الأخرى مثل حرف P الذي قد يكون في الأصل العربي ب أو ف , و V الذي قد يكون في الأصل و أو ب أو ف .
إن هذه التغييرات التي تطرأ على الكلمات والتي قد تكون إبدال حرف بحرف مثل آل بدلا من قال , أو إسقاط حرف من الكلمة مثل أبي بدلا من أبغي أو بدي بدلا من بودي أو تغيير موضعه مثل تغيير موضع الألف في أحد فنقول ما حدا بدلا من ما أحد . قد تجري عند الاستعمال اللغوي في بعض التراكيب اللغوية مثل تايصير أي حتى يصير وإيش حصل أي أي شئ حصل .
وبازدياد هذه التغييرات في الكلمات والجمل ترتسم معالم اللهجة حتى لتغدو بعد زمن طويل وكأنها لغة منفصلة لا علاقة لها باللغة الأم .
تنتشر في الوطن العربي لهجات عامية كثيرة , حتى لتتعدد اللهجات في القطر الواحد , والسبب أننا سمحنا لأنفسنا بأن نتعامل باللهجات في حياتنا اليومية , ولم نلتزم بالعربية الفصحى , حتى لقد سمحنا لبعض سمات العامية بالوصول إلى الفصحى فلصقت بها . فمنا من صار يقرأ النصوص وربما القرآن متأثرا باللهجة فليلفظ الثاء سينا والذال زايا .
والاختلاف في بعض المفردات عند النطق بالفصحى بين قطر وقطر ليس شيئا خطيرا لأنه عائد إلى سعة العربية وكثرة ما فيها من مرادفات . إنما الخطورة في ضعف تعلمنا للعربية , أما بالنسبة لتوحيد المفردات والعبارات المستعملة بين الأقطار العربية , فهذا شيئ جيد وضروري ويعين عليه توفر أسباب الوحدة وتقوية الاتصالات والتنسيق في المجال الثافي والإعلامي .
الفروق بين اللهجات القطرية في المشرق العربي والمغرب العربي كبيرة , ولولا وجود القرآن الكريم الذي حافظ على العربية الفصحى , والصلاة التي لا تكون إلا بالعربية لصار لكل قطر عربي لغته . وما هي إلا لهجات من العربية ابتعدت كثير عن العربية الفصحى التي كان العرب يتكلمونها إبان الفتوحات الإسلامية .
انبثاق اللهجات من اللغة أمر حتمي , إلا إن تم الالتزام باللغة , وهو أمر ميسور في هذه الأيام لوجود أجهزة الإعلام الرسمية والشعبية التي تعين الناس على هذا الأمر .
تأثير البيئة في اختلاف اللهجات 1- بيئة البادية :
يعتاد الإنسان فيها على الرؤية البعيدة, ولأنها بيئة مفتوحة ينتشر فيها الأفراد بسهولة وكثيرا ما يبتعد فيها شخص عن آخر فيضطر لاستدعائه إلى النداء بصوت عال , مما أثر في الطريقة التي يتحدث فيها ابن الادية حيث يميل في حديثه إلى إشباع المد بالألف في المقطع الأول من الكلمة لأن ذلك يتناسب مع حال من ينادي شخصا بعيدا بحرف النداء يا , وهكذا فلا يصل إلى آخر الكلمة حتى يكون قد استنفد الرغبة في الإطالة فيختم الكلمة بسرعة .
إنه عندما يبدأ الكلمة يبدؤها بصورة انفجارية , إذ يخرج الصوت عاليا كحال من يريد النداء فإذا تبع الحرف الأول حرف المد الألف كان المد بالإشباع , وإذا كان واوا حصل مزج في لفظها بينها وبين الألف مثل حرف O بالإنكليزية من تأثير أسلوب النداء وإذا كان الحرف الثاني هو الياء فإن الياء أصلا تلفظ بشكل قريب من الألف مثل a بالإنكليزية .
أمثلة على ذلك :
ينادي شخص أخاه الذي يدعى عودة : ياعُودَة فيجيبه : يا عُونك , الواو هنا تلفظ O ولا تلفظ مسكنة , مع التغيير في حركة الحرف السابق , فبدلا من الفتحة الأصلية يعطونه الضمة ؛ فالأصل عَودة , عَونك .
وكذلك الحال في السكون على الواو مع الفتح السابق للسكون في جَوهر نَوفل مَوزة , أما الكلمات يا شيخ الخيل البيت فإن الياء الساكنة لا تتناسب مع حركة الفم في النداء , فأصبحت مثل حرف a في كلمة Game أما الكلمة مثل يا حميد يا رشيد فإن الياء تلفظ مثل a ولهذا أخذت الحاء والراء حركة السكون لتتناسب مع الميم والياء ma والشين والياء Sha ولو بقيت الحاء والراء مفتوحتين لاضطر البدوي إلى لفظ مدّين متتابعين حا ma را sha , وهذا لا يتناسب مع الابتداء الانفجاري , إنه يمد الكلمة ولكن في بداية سريعة تتناسب مع تحفزه ويقظته .
وهكذا كان في كلامه مدفوعا بطاقة كبيرة في أول الكلمة , حتى إذا وصل آخرها أحس بأنه أنجز المطلوب , فختمها سريعا .
وإذا استعرضنا معظم الأسماء الشائعة في البادية لوجدنا أنها تلك التي تبدأ بمقطع فيه مد الألف مثل راشد خالد سالم فالح أو حمد فهد خلف وتبدأ بحركة الفتح على الحرف الأول, أو كلمات فيها شدة مثل غضب زعل صخر متعب مطلق , وقلما نجد أسماء يتطلب لفظها الهدوء مثل نعيم جميل سمير وسيم نبيه .
2 – بيئة المدينة :
طبيعة الحياة في المدينة تؤثر في أسلوب المحادثة فيما بين أهلها , فازدحام الأحياء السكنية وتقارب الناس يعطيهم شعورا بالأمان ينعكس على اللغة هدوءا في التعبير واعتدالا في الخطاب . ولكن سهولة العيش ويسره , والنوم على الأسرة , والجلوس على الأرائك مما لا يكون في حياة البادية , هذه الأشياء وأمثالها في حياة المدني تؤثر في كلامه المعتدل فتزيده سهولة حتى يصبح لينا والسبب والله أعلم أنه عندما يبدأ الكلمة ينطلق من طبعه الهادئ فتخرج الأحرف الأولى خفيفة , حتى إذا أحس باقتراب الانتهاء من الكلمة راح يمد الألف أو الواو أو الياء بشكل زائد ؛ حتى أنه يمد الفتحة والضمة والكسرة فيعطيها إشباعا كبيرا لينتبه المخاطب إلى ما يريد أن يبلغه إياه عن مدى إصراره أو إعجابه أو انتقاده أو رفضه .
إن الكلمة التي يقولها تحمل معنى التعبير , ولكن نبرة الكلمة هي التي تعطي المخاطب صورة عن حقيقة مبلغ ذلك المعنى في نفس المتكلم . وسنتناول اللهجة الشامية , ونخص منها لهجة أهل دمشق . باعتبارها مدينة عريقة تتمتع بجو جميل يمر منها نهر بردى وتحيطها غوطته الغناء . سنتناول تلك اللهجة كمثال على كلام أهل المدينة :
لو دعا شخص آخر فقال : " وينك ؟ " أي : " أين أنت ؟ " , فإنه يخرجها هطذا : " ويناك ؟ , فتصبح الفتحة على النون ألفا ممدودة .
إن هذا المد بالفتحة يحمل للمخاطب جزءا كبيرا من مقصد المتكلم الذي قد يرفع صوته بذلك المد ليفهم المخاطب أنه يهدده إن لم يسمع بقية كلامه ويأخذه على محمل الجد , وهكذا نجد أن معنى السؤال عن مكانه لم يعد هو المقصود , إنما المقصود : أينما تكون فاسمع ما سأقول .
ولو قال أحدهم للآخر سائلا إياه أن يحضر شيئا : " جيبه " , أي : أحضره , لقال : جيبو , فمد الضمة حتى أصبحت واوا ممدودة وأصبح لفظ الهاء صعبا ومجهدا فاستغني عنها . وسبب المد الزائد هو خروج الأحرف الأولى الجيم والياء والباء بسرعة وسهولة لا تفي بما يريد المتكلم إبلاغه للسامع عن حاجته الماسة والسريعة للشيئ الذي أراده , فما كان منه إلا أن استغل وجود الضمة على الباء وقال بو مادا الضمة بمسافة صوتية قد تصل إلى ما تحتاجه من الوقت لتلفظ الواو ثلاث مرات .
وما يجري على الألف والواو يجري على الياء , فقد يقول أحدهم لمن يسأله ع شيئ إن كان موجودا لديه فيقول : ما في , أي ليس موجودا في المكان الذي سألت عنه . إنه يمد الياء في آخر الكلام لإقناع السامع بصحة ما يقول
أسلوب المد في أواخر الكلمات ليس مطردا وعلى درجة واحدة في كل الكلمات لأن الألفاظ تختلف فيما بينها في مدى الحاجة لتأكيدها , كما أن الحالة النفسية للمتكلم تلعب دورا كبيرا في ذلك , فهو إن كان متوترا أو منزعجا يميل إلى مد الكلمة ورفع الصوت , وإن كان مستغربا أو معجبا فإنه يمد الكلام ولكن دون رفع الصوت . ويظهر المد واضحا وكثيرا عند النساء بصورة أشد مما عند الرجال لميلهن إلى الليونة أكثر .
الليونة في اللهجة لا تؤثر في مدى رجولة الرجل عند المواقف التي تتطلب القوة , لأنه قد يستعيض برفع الصوت وشدة النبرة عن البطء الناشئ في التعبير وايصال المعلومة إلى السامع , ولكن الصفة العامة لهذه اللهجة عند الناس تنسحب على أهل المدينة بصورة عامة . وتمتاز جميع المدن بلهجات ذات نعومة ورقة تميزها عن لهجات الريف والبادية .
والمثقفون من أهل المدينة يرفضون الالتزام باللهجة اللينة , فهم يستخدمون أحيانا بعض الكلمات من اللغة الفصحى , ويستبدلون بالألفاظ الدارجة على لسان العوام ألفاظا غيرها , فبدلا من ويناك يختار المتكلم مثلا إسمعني أو إفهمني ولا حاجة لمد الياء في آخر الكلمة فإن مقدرة المثقف على إقناع سامعه تمكنه من التحدث إليه بثقة لا تحتاج التهديد المسبق . وكل هذا يظل نسبيا , فالأمر يختلف من شخص إلى آخر بمقدار ثقافته أو حالته النفسية .
3 – بيئة الريف :
وأهل الريف يمثلون في لهجتهم حالة وسطا ما بين البادية والمدينة , فهم لا يبدأون الكلمة بداية انفجارية عالية تجعل آخرها سريعا لا يكاد يظهر بوضوح أحيانا كما هو الحال في أهل البادية , وهم أيضا لا يبدؤون الكلمة بداية سريعة خفيفة ليتبعوها بمد طويل بأحد أحرف المد .
إنهم يلفظونها بشكل أقرب إلى طبيعة اللغة من اللهجتين , إلا أنهم بسبب انتشار العامية في قطاع كبير من سكان الريف وبسبب خشونة العيش الناجمة عن أسلوب التعامل بالفلاحة ورعاية الماشية تعتور لهجتهم خشونة تظهر من خلال تضخيم أصوات الكلمات الناتج عن استبدال حرف رقيق بحرف ضخم أو لفظ الحرف مع توسيع الفم أو التشديد على الحرف .
مثال ذلك استبدال الذال بحرف الظاء كما في كلمة هاظا التي تعني هذا ولفظ الكاف إتش , وحذف الهاء من الكلمة والشد على التاء السابقة لها مثل قولهم كتَبِتّا بدلا من كتبتها , أو وضع السكون على الياء الأخيرة كما في داريْ من أجل إعطاء نبرة شديدة للتعبير .
انطلاقا من تماثل تركيب جهاز النطق " الفم " عند البشر جميعا فإن احتمالات انزلاق اللسان عن مخارج الحروف واستحداث مخارج جديدة , واحدة عند الجميع , أي أن أصوات المخارج الجديدة " الحروف الجديدة " تتكرر في اللهجات . للأرض كلها لغة واحدة هي العربية الفصحى , وما عداها لهجات منبثقة منها , وكل لغات العالم واللهجات العربية المحلية " لغة التخاطب اليومية " ماعدا العربية الفصحى تتفق في نظام استحداث مخارج صوتية جديدة أو تراكيب لغوية أو أساليب تعبيرية غير أحرف العربية الفصحى وغير طريقتها في التعبير .
تسير اللهجات كلها في مسارات متشابهة :
فكما يلفظ الناس في جنوب الجزيرة العربية والمغرب بعض الكلمات بطريقة الخطف . أي تسكين الحرف الأول من الكلمة والمرور عبر الحرف الأوسط إلى الحرف الأخير الذي يكون ساكنا أيضا حيث يخرج الصوت عاليا . فكلمة ضَرَبَ تصبح ضْرَبْ و جَمَعَ تصبح جْمَعْ , فإن هذه الطريقة موجودة في الإنكليزية , فكلمات Press" يضغط " Crush " , يحطم يسحق " Crumb " كسر , فتات من الخبز " , هي : فرْس : فرَسَ الأسد فريسته : دق عنقها , قرْش : قرَشه قطعه , قرْم : قرَم الطعام :أكله , ولكنها تلفظ خطفا فتصبح : فرس , قرم , قرش . بتسكين الحرف الأول .
وكما تفعل اللغة التركية في كلمات العربية المنتهية بتاء مربوطة فتجعل التاء مفتوحة كما في عزة : عزت , حكمة : حكمت , عصمة : عصمت , كذلك تفعل الإنكليزية , فكلمات يتأقلم : Acclimate تجدها في العربية " أقلمة " و بارع : Addroit " الدراية و حكاية , نادرة : Anecdote تجدها " النكتة " و ينشط , يقوى , مفهم بالحيوية Animate تجدها " النعمة .
تميل العامية عندنا إلى جعل ال التعريف القمرية تتحول إلى شمسية , فنقول مثلا اجّمل بدلا من الجمل , وفي اللهجة المصرية إكِّبير بدلا من الكبير , وكذا في الإنكليزية فإنها تجعل كثيرا من ال التعريف القمرية شمسية كذلك كما في القمة : Acme وهي في العربية القمة و وسام , ميدالية Accolade وهي القلادة و يكشط , يحك Abrade وهي االبرد ومنها البرادة .
كما نرى حرف الجيم في بعض دول الخليج العربي يلفظ "ياء " فإن لغات أخرى في أوروبا تفعل ذلك في حرف الجيم فتلفظه ياء : سراييفو تكتب سراجيفو وJohan تلفظ يوهان .
بينما نرى العربية الفصحى تخلو من الكلمات التي تبدأ بالحرف الساكن , فإن كثيرا من الأسماء في عاميتنا تبدأ بحرف ساكن مثل كلمات : بْلاد , كْتاب , تْراب التي هي بالفصحى , بلاد , كتاب آ تراب . كذلك الإنكليزية فإن فيها كلمات كذلك مثل : Glad , Plan , Star .
نلجأ في العامية إلىلا إبدال ياء الفعل المضارع في أوله بحرف " باء " فنقول : هو بوكل , بشرب بكتب , ونقصد : يأكل , يشرب , يشتب . ومثل هذا موجود ف يالإنكليزية ؛ فلو نزعنا حرف B من الكلمات التالية ووضعنا بدلا منه حرف الياء واعتبرنا أحرف الكلمة الباقية أحرفا عربية لتكونت عندنا كلمة عربية .
فمثلا : Blame تقابلها كلمة يلوم العربية , و Behind تقابلها يهنُد نقول في العربية : ما هند عن الأمر : أي ما تأخر , و Below تقابلها يلي مما هو دونه و Bevel يشطب تقابلها يفل نقول :لا يفل الحديد إلا الحديد , و Bury ومعناها يواري , و Benumb ومعناها يشل , يخدر تقابلها " ينوّم و Begin تقابلها " يجن " وجن الشباب : أوله , نقول : جنت الأرض : إذا ظهر نبتها وهو المعنى نفسه لكلمة Begin يشرع ويبدأ .
ونحن في العامية نضع حرف الباء الذي يعني ياء الفعل , نضعه قبل الاسم لنصنع من الاسم فعلا , فمثلا نأخذ من كلمة نجار صيغة نضع قبلها حرف الباء ونقول بِنَجَّر ونقصد يقوم بأعمال النجارة , وكذا في الإنكليزية فإن Friend: صديق هي اسم و Befriend : يصادق
|