===============
التفسير:
===============
[وأتموا الحج والعمرة لله] أي أدوهما تامين بأركانهما وشروطهما لوجه الله تعالى
[فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي] أي إذا منعتم عن إتمام الحج أو العمرة، بمرض
أو عدو، وأردتم التحلل فعليكم أن تذبحوا ما تيسر من بدنة، أو بقرة، أو شاة
[ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله] أي لا تتحللوا من إحرامكم بالحلق أو
التقصير، حتى يصل الهدي المكان الذي يحل ذبحه فيه وهو الحرم، أو مكان الإحصار
[فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك] أي فمن
كان منكم معشر المحرمين مريضا مرضا يتضرر معه بالشعر فحلق، أو كان به أذى من
رأسه كقمل وصداع فحلق في الإحرام، فعليه فدية وهي: إما صيام ثلاثة أيام، أو
يتصدق بثلاثة آصع على ستة مساكين، أو يذبح ذبيحة وأقلها شاة
[فإذا أمنتم] أي كنتم آمنين من أول الأمر، أو صرتم بعد الإحصار آمنين
[فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي] أي من اعتمر في أشهر الحج،
واستمتع بما يستمتع به غير المحرم، من الطيب والنساء وغيرها، فعليه ما تيسر من
الهدي، وهو شاة يذبحها شكرا لله تعالى
[فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم] أي من لم يجد ثمن
الهدي، فعليه صيام عشرة أيام ، ثلاثة حين يحرم بالحج، وسبعة إذا رجع إلى وطنه
[تلك عشرة كاملة] أى عشرة كاملة تجزئ عن الذبح، وثوابها كثوابه من غير نقصان
[ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام] أي ذلك التمتع أو الهدي، خاص بغير
أهل الحرم، أما سكان الحرم فليس لهم تمتع وليس عليهم هدى
[واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب] أي خافوا الله تعالى بامتثال أوامره
واجتناب نواهيه، واعلموا أن عقابه شديد لمن خالف أمره.. ثم بين تعالى وقت الحج
فقال:
[الحج أشهر معلومات] أي وقت الحج هو تلك الأشهر المعروفة بين الناس وهي (شوال،
وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة)
[فمن فرض فيهم الحج] أي من ألزم نفسه الحج بالإحرام والتلبية
[فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج] أي لا يقرب النساء، ولا يستمتع بهن فإنه
مقبل على الله قاصد لرضاه، فعليه أن يترك الشهوات، وأن يترك المعاصي، والجدال،
والخصام، مع الرفقاء
[وما تفعلوا من خير يعلمه الله] أي وما تقدموا لأنفسكم من خير يجازيكم عليه
الله خير الجزاء
[وتزودوا فإن خير الزاد التقوى] أي تزودوا لآخرتكم بالتقوى فإنها خير زاد
[واتقون يا أولي الألباب] أي خافون واتقوا عقابي يا ذوي العقول والأفهام
[ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم] أي لا حرج ولا إثم عليكم، في التجارة
في أثناء الحج، فإن التجارة الدنيوية لا تنافي العبادة الدينية... وقد كانوا
يتأثمون من ذلك فنزلت الآية تبيح لهم الاتجار في أشهر الحج
[فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام] أي إذا دفعتم من عرفات
بعد الوقوف بها، فاذكروا الله بالدعاء والتضرع، والتكبير والتهليل، عند المشعر
الحرام بالمزدلفة
[واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين] أي اذكروه ذكرا حسنا كما
هداكم هداية حسنة، واشكروه على نعمة الهداية والإيمان، فقد كنتم قبل هدايته لكم
في عداد الضالين، الجاهلين بالإيمان وشرائع الدين
[ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس] أي ثم انزلوا من عرفة حيث ينزل الناس، لا من
المزدلفة، والخطاب لقريش حيث كانوا يترفعون على الناس أن يقفوا معهم، وكانوا
يقولون: نحن أهل الله وسكان حرمه، فلا نخرج منه، فيقفون في المزدلفة لأنها من
الحرم، ثم يفيضون منها وكانوا يسمون "الحمس" فأمر الله تعالى رسوله (ص) أن يأتي
عرفة، ثم يقف بها ثم يفيض منها
[واستغفروا الله إن الله غفور رحيم] أي استغفروا الله عما سلف منكم من المعاصي،
فإن الله عظيم المغفرة، واسع الرحمة
[فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا] أي إذا فرغتم من
أعمال الحج وانتهيتم منها فأكثروا ذكره، وبالغوا في ذلك كما كنت تذكرون آباءكم،
وتعدون مفاخرهم بل أشد، قال المفسرون: كانوا يقفون بمنى بين المسجد والجبل بعد
قضاء المناسك، فيذكرون مفاخر آبائهم ومحاسن أيامهم، فأمروا أن يذكروا الله وحده
[فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق] أي من الناس
من تكون الدنيا همه فيقول: اللهم اجعل عطائي ومنحتي في الدنيا خاصة، وما له في
الآخرة من حظ ولا نصيب
[ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة] أي ومنهم من يطلب
خيري الدنيا والآخرة وهو المؤمن العاقل، وقد جمعت هذه الدعوة كل خير، وصرفت كل
شر، فالحسنة في الدنيا تشمل الصحة والعافية، والدار الرحبة، والزوجة الحسنة،
والرزق الواسع إلى غير ما هنالك، والحسنة في الآخرة تشمل الأمن من الفزع
الأكبر، وتيسير الحساب، ودخول الجنة، والنظر إلى وجه الله الكريم إلخ
[وقنا عذاب النار] أي نجنا من عذاب جهنم
[أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سرع الحساب] أي هؤلاء الذين طلبوا سعادة
الدارين، لهم حظ وافر مما عملوا من الخيرات، والله سريع الحساب يحاسب الخلائق
بقدر لمحة بصر
[واذكروا الله في أيام معدودات] أي كبروا الله في أعقاب الصلوات وعند رمي
الجمرات، في أيام التشريق الثلاثة بعد يوم النحر
[فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه] أي من استعجل بالنفر من منى بعد تمام يومين
من أيام التشريق، وهو اليوم الثالث من أيام عيد الأضحى المبارك فنفر فلا حرج
عليه
[ومن تأخر فلا إثم عليه] أي ومن تأخر حتى رمى في اليوم الثالث – وهو النفر
الثاني – فلا حرج عليه أيضا وهو اليوم الرابع من عيد الأضحى
[لمن اتقى] لمن أراد أن يتقي الله، فيأتي بالحج على الوجه الأكمل
[واتقوا الله واعلموا أنكم إليه تحشرون] أي خافوا الله تعالى واعلموا أنكم
مجموعون إليه للحساب، فيجازيكم بأعمالكم