الصدقة.. وأثرها العجيب في الفرد والمجتمع** 1-3
" داوو مرضــاكم بالصدقة " (1)
الصَـدَقـة.. أمرها عجيب..وأثرها كبيـر في الحياة ومابعد الحيـاة..
الصدقة هي النفقة التي يطلب بها الأجر.. تخرجها من حُر مالك.. طيبة بها نفسك
تَذَكر..!! أن المال مال الله..وأعطاك منه ليرى ماذا ستعمل به..!!
المؤمن والمؤمنة كل منهما كـــآئن حي..والحياة ليست أكل وشرب..بل هي أشمل من ذلك.. إن الحياة ..هي العطآء أيضاً..
إنَ النفقة في سبيل الله..من أعظم ماشرع الله..وهي من محبوبات الله..
ويأتي سؤال:
لِما شُرعت الصدقة..!!
ويأتي الجواب سريعاً..مهرولاً..أن:
شرعت لغرضين جليلين: أحدهما: سد خَلَّة المسلمين وحاجتهم،
والثاني: معونة الإسلام وتأييده..
لأهمية الصدقة..جآئت أحاديث ونصوص كثيرة تبين فضل الصدقة وتُعمق دورها في الحياة..
وعليك أن تبحث في الصدقة وحولها..فما كلامي إلا قليل من كثير..
أهم وابرز وجوه الصدقة ودورها الرآئد في الحياة..
أولاً: الصدقة منزلتها عالية..ومقام المُتصَدِق رفيع:
قال صلى الله عليه وسلم:
"وإن أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مؤمن، تكشف عنه كرباً، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً"(2)
وصاحب الصدقة..المُخرِج للصدقة..هو من خير الناس..ويأتي يوم القيامةمع أهل المعروفيدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :
"أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة" (3)
إن المكانة العالية للمتصدق ليست في الآخرة فقط..بل هي شاملة للدنيا؛بالتيسير ودفع المصائب..وهي دوآء..وفوق هذا..قيل :من جـادَ سـاد،ومن بخل رذل
والعربي كريم بطبعه إلا ماندر,,وهي فرصة تعجب لمن يتركها..هاهو ابن السماك يهمس لك قائلاً:
"يا عجبي لمن يشتري المماليك بالثمن، ولا يشتري الأحرار بالمعروف"
ومن أهمية الصدقة ودورها..
ثانياً:وقايتها للمتصدق من البلايا والكروب
فهي تدفع المصائب والكروب والشدائد المخوِّفة، وترفع البلايا والآفات والأمراض الحالَّة، دلت على ذلك النصوص، وثبت ذلك بالحس والتجربة.
فمن الأحاديث الدالة على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :
"صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات" (4)
ومنها أيضاً: قوله صلى الله عليه وسلم حين هلع الناس لكسوف الشمس: "فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا" (5)
قال ابن دقيق العيد في شرحه له: "وفي الحديث دليل على استحباب الصدقة عند المخاوف لاستدفاع البلاء المحذور"
كما أن الصدقة تحفظ البدن وتدفع عن صاحبها البلايا والأمراض،
يدل لذلك حديث:
"داووا مرضـاكم بالصدقـة"
بل إن بعض السلف كانوا يرون أن الصدقة تدفع عن صاحبها الآفات والشدائد ولو كان ظالماً..
وفي المقابل فإن عدم الصدقة قد تـجر على العبد المصائب والمحن..
ثالثاً: عِظم أجرها ومضاعفة ثوابها.
يربي الله الصدقات، ويضاعف لأصحابها المثوبات، ويعلي الدرجات..
بهذا تواترت النصوص وعليه تضافرت؛ فمن الآيات الكريمات الدالة على أن الصـدقـة أضعاف مضاعفة وعنـد الله مـزيـد قـوله ـ تعالى ـ:
(إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم) "الحديد: 18"
"والمتصدقين والمتصدقات لا يتفضلون على آخـذي الصدقات، ولا يتعاملون في هذا مع الناس، إنما هم يقرضون الله ويتعاملون مباشرة معه،
فأي حافز للصدقة أوقع وأعمق من شعور المعطي بأنه يقرض الغني الحميد،
وأنه يتعامل مع مالك الوجود..وأن ما ينفقه مُخْلَف عليه مضاعف، وأن له بعد ذلك كله أجراً كريماً
ومن الأدلة قوله تعالى:
( من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة )
البقرة: 245
ومن الأحاديث الدالة على عظم أجر الصدقة: قوله صلى الله عليه وسلم :
"ما تصدق أحد بصدقة من طيب ـ ولا يقبل الله إلا الطيب ـ إلا أخذها الرحمن بيمينه ـ وإن كان تمرة ـ فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل؛ كما يربي أحدكم فُلُوَّه أو فصيله" (6)
ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم :
"من أنفق نفقة في سبيل الله كتب له سبع مئة ضعف" (7)
قال المباركفوري: "وهذا أقل الموعود، والله يضاعف لمن يشاء"
رابعاً:إطفاؤها الخطايا وتكفيرها الذنوب
دل على ذلك نصوص الكتاب والسنة، ومنها: قوله ـ تعالى ـ :
( إن الحسنات يذهبن السيئات)
هود:114
وقوله ـ عــز وجــل ـ:
(وسارعوا إلى" مغفرة من ربكم وجنة عرضها السمـوات والأرض أعـدت للمتقـين 133 الذيـن ينفقـون في السـراء والضـراء والكاظمـين الغيـظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين)
"آل عمران: 133، 134"
والتي أفادت أن من أول وأجلِّ ما تنال به مغفرة الله للخطايا وتجاوزه عن الذنوب..الإنفاق في مراضيه سبحانه
ومن النصوص الدالة على ذلك أيضاً: قوله صلى الله عليه وسلم :
وما أخرجه البخاري في صحيحه في باب: الصدقة تكفر الخطيئة من حـديث حذيفـة ـ رضي الله عنه ـ وفيه:
"فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره
تكفرها الصلاة والصدقة والمعروف" (8)
خامساً: مباركتها المال وزيادتها الرزق
تحفظ الصدقة المال من الآفات والهلكات والمفاسد، وتحل فيه البركة، وتكون سبباً في إخلاف الله على صاحبها بما هو أنفع له وأكثر وأطيب، دلت على ذلك النصوص الثابتة والتجربة المحسوسة؛ فمن النصوص الدالة على أن الصدقة جالبة للرزق قوله تعالى:
( وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين )
"سبأ: 39"
ومن النصوص الدالة أيضاً على أن الصدقة بوابة للرزق ومن أسباب سعته واستمراره وتهيؤ أسبابه، وأنها لا تزيد العبد إلا كثرة قوله تعالى :
(لئــن شكــرتـم لأزيـدنكــم )
"إبراهيم: 7"
إذ الصدقة غاية في الشكر،
وقوله صلى الله عليه وسلم :
"ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما:
اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً"(9)
سادساً:الصدقة وقاية من العذاب وسبيل لدخول الجنة
الصدقة والإنفاق في سبل الخير فدية للعبد من العــذاب، وتخليـص له وفكــاك مـن العقاب..
وقد كثرت النصوص المبينة بأن الصدقة ستر للعبد وحجاب بينه وبين العذاب، ومن هذه النصوص: حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ في إثبات نعيم القبر وعذابه والذي تضمن إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الصدقة وأعمال البر تدفع عن صاحبها عذاب القبر؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم :
"إن الميت إذا وضع في قبره إنه يسمع خفق نعالهم حين يولُّون عنه؛ فإن كان مؤمناً كانت الصلاة عند رأسه، وكان الصيام عن يمينه، وكانت الزكاة عن شماله، وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه، فيؤتى من قِبَلِ رأسه، فتقول الصلاة: ما قِبَلي مدخل، ثم يؤتى عن يمينه، فيقول الصيام: ما قِبَلي مدخل، ثم يؤتى عن يساره فيقول الزكاة: ما قِبَلي مدخل، ثم يؤتى من قِبَل رجليه فتقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس: ما قِبَلي مدخل..." (10)
سابعاً:أنها دليل صدق الإيمان وقوة اليقين وحسن الظن برب العالمين:
المال ميال بالقلوب عن الله؛ لأن النفوس جبلت على حبه والشح به، فإذا سمحت النفس بالتصدق به وإنفاقه في مرضاة الله ـ عز وجل ـ كان ذلك برهاناً على صحة إيمان العبد وتصديقه بموعود الله ووعيده، وعظيم محبته له؛ إذ قدم رضاه سبحانه على المال الذي فطر على حبه ويدل على هذا الأمر قوله صلى الله عليه وسلم :
"والصدقة برهان" (11)
ومعناه: أنها دليل على إيمان فاعلها؛ فإن المنافق يمتنع منها لكونه لا يعتقدها، فمن تصدق استدل بصدقته على صدق إيمانه، قال المناوي:
"(والصدقة برهان) حجة جلية على إيمان صاحبها أو أنه على الهدى أو الفلاح، أو لكون الصدقة تنجيه عند الحساب كما تنجي الحجة عند المحاكمة..
ثامناً:تخليتها النفس من الرذائل وتحليتها لها بالفضائل:
تطهر الصدقة النفس من الرذائل وتنقيها من الآفات، وتقيها من كثير من دواعي الشيطان ورجسه، ومن ذلك: أنها تبعد العبد عن صفة البخل وتخلصه من داء الشُح.. والوقاية منه سبب للفلاح..قال تعالى:
( ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون)
"الحشر: 9"
ويُذهِب الله بها- الصدقة - داء العجب بالنفس والكبر والخيلاء على الآخرين والفخر عليهم بغير حق، كما أنها من مسببات عدم حب الذات حباً مذموماً، ومن دواعي نبذ الأثرة والأنانية، وعدم الوقوع في شيء من عبودية المال وتقديسه وهو ما دعا على فاعله النبي صلى الله عليه وسلم بالتعاسة والانتكاسة فقال:
"تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة...
تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش" (12)
وفي المقابل فالصدقة تهذب الأخلاق وتزكي النفس وتربي الروح على معالي الأخلاق وفضائلها؛ إذ فيها تدريب على الجود والكرم، وتعويد على البذل والتضحية وإيثار الآخرين، وفيها سمو بالعبد وانتصار له على نفسه الأمارة بالسوء، وإلجام لشيطانه، وإعلاء لهمته؛ إذ تُعلق العبد بربه وتربطه بالدار الآخرة، وتزهده بالدنيا؛ وتضعف تَعلُّق قلبه بها
تاسعاً: أن الصدقة..بوابة لسائر أعمال البر
جعل الله الصدقة والإنفاق في مرضاته مفتاحاً للبر وداعية للعبد إلى سائر أنواعه
يدل لذلك قوله ـ تعالى ـ:
( فأما من أعطــى" واتقـــى"وصــدق بالحسنى"فسنيسره لليسرى) "الليل: 5 - 7"
قال السعدي في تفسيره: " فسنيسره لليسرى: أي:
"نيسر له أمره، ونجعله مسهلاً عليه كل خير، ميسراً له ترك كل شر؛ لأنه أتى بأسباب التيسير، فيسر الله له لذلك"
وقد فقه الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ هذا التوجيه الرباني فحرصوا على نيل البر وكمال الخير بالنزول عما يحبون وببذل الطيب من المال نصرة للدين وسداً لحاجة المساكين، سخية به نفوسهم طمعاً في ثواب الله وإحسانه، فكان الواحد منهم إذا ازداد حبه لشيء بذله لله رجاء نيل البر؛ فهذا أبو طلحة ـ رضي الله عنه ـ كان أكثر الأنصار بالمدينة مالاً، وكان أحب أمواله إليه حديقة يقال لها: بيرحاء، فلما نزلت هذه الآية:
( لن تنالوا البر حتى" تنفقــوا مما تحبـــون )
{آل عمران: 92}
قام إلى رســـول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الله يقول في كتابه: لن تنالوا البر حتى" تنفقوا مما تحبون وإن أحب أموالي إليَّ بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث شئت... " (14) وقال زيد بن حارثة لما نزلت هذه الآية: "اللهم إنك تعلم أنه ليس لي مال أحب إلي من فرسي هذه"، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد قبلها الله منك"(15)
عاشراً:إدراك المتصدق أجر العامل
دلت النصوص الثابتة على أن صاحب المال يدرك بتصدقه وإنفاقه من ثواب عمل العامل بمقدار ما أعانه عليه حتى يكون له مثل أجره ومن هذه النصوص الدالة على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :
"من فطَّر صائماً كتب له مثل أجره لا ينقص من أجره شيء" (16)
وقوله صلى الله عليه وسلم :
"من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلف غازياً في سبيل الله بخير فقد غزا"(17)
ومعناه: أنه مثله في الأجر ما دام قد أتم تجهيزه أو قام بكفاية من يخلفه بعده
مــاأسعد المُتصدِقيـن..فيا من يستطيع أن يجاهد وهو قاعد، ويصوم وهو آكل شارب، ويعلِّم القرآن، وينشر الخير، ويدعو إلى الله في كل مكان وهو في بيته لم يباشر من ذلك شيئاً لا تَحْرم نفسك الأجر ولا تمنعها الثواب..
واعمل بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لك حين قال:
"اغتنم خمساً قبل خمس ـ وذكر منها ـ: وغناك قبل فقرك" (18)
واعلم بأن المال زائل والعمل باق؛ إذ لم يخلد أحد مع ماله، ولم يدخل مالٌ القبر مع صاحبه، بل هو وديعة لديك، ولا بد من أخذها منك، فما بالك تغفل عن ذلك؟!
____________________________
* الهوامش ستكون في نهاية الجزء الثالث إن شآء الله..
** إستفدت من مراجع عدة ..
ومن أهمها مقال للأخ الفاضل فيصل بن علي البعداني بعنوان سنابل الخير شكر الله له ولوالديه..