اختر لونك:

  شبـــكة تـيـفـا نت > المنتديات العامة > المنتدى الأدبى

القصة الفائزة بالمركز الثانى(شذا الرياحين من سيرة خير المرسلين)

شذا الرياحين من سيرة خير المرسلين أبوحسام الدين الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى

أضف رد جديد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

قديم 2007-08-12, 09:04 PM   #1
الصورة الرمزية la princesse
مشرفة عامة
تاريخ التسجيل: 2006-09-29
الدولة: أرض الكنانة
العمر: 38
المشاركات: 2,027
التقييم: 802
الصورة الرمزية la princesse
مشرفة عامة
تاريخ التسجيل: 2006-09-29
الدولة: أرض الكنانة
العمر: 38
المشاركات: 2,027
التقييم: 802
Only Here القصة الفائزة بالمركز الثانى(شذا الرياحين من سيرة خير المرسلين)

شذا الرياحين من سيرة خير المرسلين
أبوحسام الدين


الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وبعد :


[1]

في صحراء جرداء ، لا زرع فيها ولا ماء ، إلا نبع كريم تفضل به خالق عظيم ، على طفل صادق ، وأم راسخ إيمانها بخالق البرية ، قالت للعين : زمي زمي ، فوقفت مكانها ، غير أن ماءها لا ينضب ولا يزول ، ولو أنها تركتها لصارت نهرا جاريا ، لكن حكمة الإله أعظم من إدراك الإنسان الضعيف ، فكبر الطفل ، والتف الناس من حوله ، وجاءه الأب الكبير ، وتم بناء الصرح العظيم ، ليربط بين قلب الإنسان ، وخالق الأرض والسماء ،(1) وعلى مر السنين ، كان من نسل هذا الصادق أمة عظيمة ، لكنهم خالفوا العهد والدين (2) ، وصار الهوى وحب النفس هما الحياة ، فقتلوا ونهبوا كل ضعيف ، وقتلوا أولادهم خشية فقر ، ودفنوا بناتهم أحياء خوف عار ، تركوا الخالق العظيم ، وعبدوا أحجارا حقيرة ، صماء بكماء ، لا نفع فيها ، ولا تسمع لدعاء ، (3) ورغم ذلك كانت لهم صفات حسن بجوار صفات القبح ، فكانوا كرماء ، أعزاء ، أقوياء ، يجيروا من استجار بهم ، ويغيثوا من أغاثهم .(4)
[2]
وجاء من قبل الجنوب رجل أسود ، جعد الشعر ، أشرم الوجه ، ومعه فيل كبير ، ليهدم الصرح العظيم ، لكن رب الصرح كان له بالمرصاد ، فأرسل عليه وجنوده طيرا ترميهم بحجارة صغيرة الحجم ، مهلكة الضرب ، فهلك صاحب الفيل وجيشه ، وحمى الله بيته .(5) وفي هذا العام أضاءت الأرض بنور ملأ أركانها ، خرج من امرأة آمنة على عرضها ، وشريفة في أهلها ، وقد مات عنها زوجها ، وهي تحمل النور في أحشائها ، فولدت الطفل الذي فرح به العدو قبل الحبيب ، من نسل الطفل الصادق وأبيه باني الصرح العظيم ، وكان الأعداء ينتظرون أن يولد منهم وفيهم ، لكن خاب ظنهم . (6) وقام عمه الجبار فرحا بابن أخيه اعتق جاريته التي بشرته به ، فأرضعته ، وكانت من أوائل مرضعاته بعد أمه (7).والجد كان فرحه لا يقل عن فرح من حوله بل كان أشد وأحن ، وقد سماه باسم يجمع فيه صفات الخير .
[3]

وعلى الفور أسلموه لمرضعة في البادية ، ليرضع الصبر ، ويتحلى بالمكارم ، ويستنشق هواء نقيا بعيدا عن زحام القرية (8). فكان خير ضيف نزل على أفقر قوم ، فعمهم الرخاء بقدومه عليهم ، وصحت أنعامهم ، وكثر خيرهم ، واستبشروا به خيرا ، حتى جاءت لحظة حاسمة ، نزل من السماء طائران أبيضان كأنهما نسران ، فطرحاه على الأرض ، وشقا صدره ، ثم أخرجا منها علقة ، وقال أحدهما لصاحبه : هذا حظ الشيطان منه ، ثم أتيا بماء مثلج فغسلا صدره ، وتركاه قد امتقع وجه خوفا ، وانطلق إلى مرضعته فأخبرها الخبر الجلل ، وعلى الفور قامت وحملته على دابتها وأرجعته إلى أمه ، خوفا من أهله إذا أصابه مكروه ، ورجع إلى أمه(9) ، التي ذهبت به بعد ذلك إلى أخواله في بلد الزرع والماء والنخيل ، وعند عودتها ، ماتت ، وكانت لحظات كالجبال تمر على طفل كهذا ، واكتمل يتمه ، وصار لا أب له ولا أم حنون ، لا ندري كم كان شعوره عندما ينادي الأولاد من حوله على آبائهم وهو لم يجد أبا يناديه !! كم كان شعوره وهو يرى الأولاد من حوله تنادي على أمهاتهم وهو لا يستطيع أن يقول أمي . لكن الجد قد راعى كل هذا ، وقدمه على أولاده ، وأولاه رعايته وقربه في مجلسه (10)
[4]

ولما مات الجد الحنون لم ينسى أن يوصي إلى ابنه الحنون برعاية ابن أخيه اليتيم ، فكان العم خير أب وأحن من جده ، وكان يقربه ويقدمه على أولاده الكثيرون ، ويرى فيه الخير والبركة ، حتى خرج به ذات يوم في تجارة له إلى بلد بعيدة ، وفي الطريق قابله راهب ذو فراسة ودراية ، فقال لعمه : إن هذا الولد سيكون له شأن عظيم ، ولو رأوه اليهود لقتلوه . وعلى الفور أرجعه عمه إلى وطنه مع رجلين ممن كانوا معه (11)
[5]

وعاش الفتى حياته ككل الشباب في سنه ، وكان يرعى الغنم بالأجر ليعين عمه الفقير (12) ويكتسب من عمله القيادة والريادة والصبر والتحمل فوق كسبه لعيشه ، ولما بلغ سن العشرين قامت معركة عظيمة بين قومه وقوم آخرين ، وشارك فيها الفتى(13) ، وفي نفس العام شهد صلحا بين أطراف هذه المعركة وتحالفا على الخير ونصرة المظلوم (14) .
[6]

وكان في قريته امرأة ذات حسب ونسب ومال غير أنها كانت تكبره بخمسة عشرة عاما ، وطلبت منه أن يرعى تجارتها لما سمعت بأمانته ، وبعد رحلة في هذه التجارة ، حكى لها خادمها ما رآه من خلق هذا الشاب وفطنته وأمانته ، وعلى الفور أرسلت إليه تدعوه للزواج منها فقبل رغم فارق السن بينهما ، لكنها كانت خير أنيس وأسعد زوجة ، (15) وكان له منها الأولاد ، وقد راعته بمالها ، وفي سن الخامسة والثلاثين من عمره شارك قومه في تجديد بناء الصرح العظيم الذي قد بناه جده القديم ، والذي هو مكان عبادتهم ، وقد تنازع الناس حتى كادوا يقتتلون ، وأوكلوا أمرهم إلى أول داخل عليهم ، وكان هو الداخل ورضوا به حكما ، وكان حكمه عدلا حقن به الدماء وجدد به التآلف (16)
[7]

وبعد أن قارب الأربعين ، وقد اشتد صلبه ورجح عقله ، وشهد كل من حوله بدماثة الخلق ولين الجانب ، وحب الخير للناس ، إذا رآه الناظر من بعيد فرح برؤياه ، وإذا تحدث معه أحد تمنى أن لا ينتهي الزمن ، لم يعجبه حال قومه ، ولا أخلاق الكثير منهم ، فاعتزلهم واعتزل ما هم عليه من كل ما يخالف المروءة والرجولة ، ومن عبادتهم لأحجار وأشكال وصور ، وصعد إلى جبل قريب من قريته ، قرب غار هناك ، ينظر في السماء والأرض والجبال ، يبحث عن مخرج ، وعن جواب لتساؤلات ربما كانت تدور في رأسه ، من خلق هذا الكون وما فيه من بديع صنع ؟ ، من رفع السماء بغير عمد ، من نصب هذه الجبال وجعلها شامخة تتحدى العواصف والرياح ؟ وبعد فترة من الزمن نزل عليه من السماء رسول بالجواب ، فالتقى أمين السماء بأمين الأرض ، هل عرفتموه ؟ إنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب xxxxxxx القرشي ، إنه أعظم شخصية في التاريخ ، اختاره خالق الأرض والسماء ليكون رحمة للناس ، ومنقذهم من الضلال إلى الهدى ، ومن ظلمات الجهل والوثنية إلى نور العلم والتوحيد ، نزل جبريل ليقول لهذا الأمي الذي ما أمسكت يداه بقلم ليخط ، وما عرف للقراءة طريق : اقرأ . فكان من البديهي أن يجيب : لست بقارئ ؛ لكن جبريل كرر إليه الأمر : اقرأ ، وكان الجواب مثل الأول تأكيدا له : ما أنا بقارئ . وهنا أراد جبريل أن يوجهه إلى نوع القراءة التي تراد منه بقوله في سورة العلق : اقْرأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْوَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) (17). وكانت هذه أول الكلمات التي تأتيه من رب العالمين ليبلغها للناس . " هذه الكلمات هي بسملة سعادة الإنسان ، وهي الأشعة الأولى لأنوار القرآن ، يا لها من براعة استهلال لمقاصد الرسالة
من تحت ســن القلـم أبصرتُ بعث الأممِ
(اقرأ) تلاها المصطفـى فكان جيل الأرقـمِ
ها هنا في قلب الغار اختُصر تاريخ الإنسان ، فيا له من مكان غمر في جوفه الزمان . ولقد تكون بعض الأحداث في التاريخ أكبر من التاريخ نفسه !! ويوم حراء أكبر وأخلد من التاريخ . وأكرِم بيوم تم فيه اللقاء بين أمين الأرض وأمين السماء !
كان العالم كله في غفلة عن ذلك الرجل الذي يأوي إلى غار حراء متوحِّداً في سبيل التوحيد .. وكانت ساعات يرتبط بها تاريخ أحقاب ودهور ، فلما انقضت مدتها لم يبق في الأرض المعمورة غافل عن ضيف ذلك الغـار ، ولم يبق جاهـل بآثـار تلك السـاعات التي كان يقضيها فيـه بالليل والنهار.. .
لقد خرج محمد من هذا الغار حقيقة نقية كالسماء الصافية .. خرج قانوناً من قوانين الله التي تُسيِّر الشمس والقمر ، وتمسك السماء والأرض .. يمضي قُدماً إلى الغاية المقدورة مُضيّ النجوم في حُبكها والشمس في فلكها .. هبط الرسول من حراء وقد حمل أمانة الرسالة ، فليت شعري أَهَبط ونفسه قريرةٌ كما ينزل النور من الشمس والقمر ؟ أم نزل ونفسه جائشةٌ كما ينزل الغيث بين الرعد والبرق؟! ما هي المشاعر والأفكار التي كانت تجول في قلبه وقد حمل "قولاً ثقيلاً" لينقذ به العالمين من الظلمات إلى النور ؟! لست أدري .. ولكنه نزل ديناً جديداً .. وعصراً وليداً .. وتاريخاً مديداً .. وإصلاحاً شاملاً وهدى كاملاً .. ورحمةً للعالمين ..".(18)
فما تحمل الموقف ورجع إلى زوجته الحبيبة يرجف فؤاده وترتعد فرائصه خوفا مما حدث ، وهذا خوف وضعه الله في بني آدم لا يسلم منه أحد ولا يحاسب عليه أحد . وطلب منها أن تغطيه ، وتدفئه ، وبعد أن هدأ روعه وذهب خوفه قص عليها ما حدث وقال : خشيت على نفسي . وهنا تظهر براعة المرأة الصالحة ، ويختبئ ضعف الأنثى لتقول له وكأنها قد اطلعت على الأمر : كلا فلن يخذيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم ، وتقري الضيف ، وتكسب المعدوم ، وتعين على نوائب الدهر . جمعت له كل خصال الخير ، وكأنها جمعت له بداية مجمل الرسالة التي من أجلها أرسله الله تعالى . وذهبت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وكان قد تنصر وقرأ كتب اليهود والنصارى وعرف فيها شخصية النبي r ، حيث بشر به كتابهم ، وأخبره بأمره . (19)
[8]

وهنا كانت زوجه أول من آمن به من النساء , وكان الفتى الهمام ابن عمه على بن أبي طالب أول من آمن من الصبيان ، وذهب إلى صديق روحه أبي بكر ليدعوه إلى هذا الدين وفي الحال آمن به ، ودعا إلى دينه فآمن خمسة من العشرة المبشرين بالجنة (20). واستمر يدعو سرا خوفا من بطش مكة ، ثم نزل الأمر بالجهر بالدعوة وتحمل الأذى ، وحاول النبي r مع أهله وأقاربه لكن الأكثر وقف له وعارضوه ، وتعرضوا إلى أصحابه بالأذى (21)هنا بدأت الهجرة وطلب من أصحابه رأفة بهم الذهاب إلى أرض الحبشة حيث فيها ملك لا يظلم عنده أحد رغم أنه كان على النصرانية .(22) ثم أسلم حمزة بن عبد المطلب وتبعه الفاروق عمر بن الخطاب فتنفس المسلمون الصعداء
[9]

ودافع عنه عمه الحنون أبو طالب رغم أن عصبية القبيلة منعته أن يدخل في دين الحق حتى مات ، وكان وقع موته شديد عليه ، فقد طمع به كل من كان يعمل حسابا لعمه ،(23) وبعد فترة وجيزة لحقت بعمه رفيقة دربه خديجة رضي الله عنها ، وقد تركت له أم كلثوم وزينب وفاطمة ومات القاسم صغيرا . فاشتدت الأحزان عليه ،(24) وأراد أن يعرض نفسه على غير بلده مكة ، فذهب إلى الطائف ، وهناك قوبل بأشد ما لاقى في مكة ، وخرج وراءه الأطفال والرجال يرمونه بالحجارة حتى أدميت قدماه ، ورجع كسيرا حزينا (25)، وفي الطريق أرد ربه أن يواسيه ، فأرسل إليه جبريل ليقول له إن معي ملك الجبال ولو أمته أن يطبق عليهم الأخشبين ـ جبلين محيطين بمكة ـ لفعلت . وهنا تظهر الرحمة العظيمة ، وتظهر أعلى درجات العفو في الخلق ، وفي هذا الموقف الرهيب ، والنفس معبأة بالحزن والأسى على ما فعلوه فيه ، يقول : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئا .(26) .
[10]

واشتد عزمه ، وزاد إصراره بعد أن بشره ربه بنصر دينه ، وجاءه خباب بن الأرت يشكو شدة التعذيب والأذى ، وكأنه جزع ، فكان قوله له : إن من كان قبلكم كان يؤتى بالرجل ويمشط بالحديد ما بين العظم واللحم لا يحوله عن دين الله شيئا والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يصير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ،لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم قوم تستعجلون .(27) وكانت كلمات من نور بعثت الروح في قلوب أصحابه ولم يلتفتوا إلى تعذيب ولا تشريد ولا حرمان . واسى رب محمد محمدا بأن أرسل إليه جبريل بليل ومعه البراق ـ وهي دابة فوق الحمار ودون الحصان ـ في رحلة طويلة المسافة قصيرة الزمن ، إلى بيت المقدس في الشام ، وبعد صلاة مع أنبياء الله الذين سبقوه يصعد من هناك بصحبة أمين السماء إلى رب السماء ، ويمر في هذه الرحلة على كل سماء وما فيها من أنبياء حتى يصل إلى سدرة المنتهى ويتأخر جبريل ويتقدم محمد r ، وينظر في الجنة وما أعده الله لعباده الصالحين ، وتفرض علي أمته خمس صلوات في اليوم والليلة .(28) ويهبط به جبريل قبل الفجر ، ويحكى محمد r للناس ما حدث له في ليلة ، شئ فاق الخيال ، وتحيرت أمامه العقول ، وكان لكل الناس في صدره كبوة من ذلك إلا رفيق الروح أبو بكر فقد صدقه بمجرد أن ذكر له من غير أن يسمع منه بمنطق عقلي حكيم : إذا كنت أصدقه في خبر السماء ما بين لحظة وأخرى ، أفلا أصدقه في هذا ! وسمي الصديق . وكان صديقا صِدِّيقا حقا .(29) وكذبه أهل الشرك كعادتهم واشتد آذاهم بعد أن عرضوا عليه المال والجاه والسلطان مقابل التخلي عن دعوته وقد رفض كل ذلك . ثم بعدها تزوج بسودة بنت زمعة . وبعدها خطب عائشة بنت الصديق .
[11]

ثم توالت البشريات حيث جاءت بيعة العقبة الأولى في ستة نفر من أهل المدينة في موسم الحج ، بايعهم على عبادة الله وحده لا شريك له وترك القتل والزنا والسرقة والبهتان ، وقد آمنوا ثم أرسل معهم الفتى الصغير مصعب بن عمير يعلمهم دين الله تعالى ويتحمل عبء الدعوة هناك (30). وجاء في العام الثاني ومعه سبعين من الأنصار قوم أرق قلوبا ، وأنضج عقولا وأكثر تضحية وفداء ، وتمت البيعة الثانية على السمع والطاعة في العسر واليسر وعلى نصرة النبي r (31).
[12]

وفشل أهل مكة من إثناء النبي r عن دعوته فدبروا مكيدة في قتله ، واجتمعوا في دار الندوى وحضرهم الشيطان اللعين ، وقد ملئت قلوبهم حنقا وغيظا ، وطاشت عقول عن التفكير السليم ، وعميت أعينهم عن الطريق الحق فقرروا قتل النبي r ليلا وتفريق دمه في القبائل ، بجناية أنه يدعوهم إلى التوحيد ومكارم الأخلاق ونبذ الشرك والوثنية والفواحش ما ظهر منها وما بطن !!! .(32) وحان الموعد وجاء أمين السماء ليعلم أمين الأرض بالمكيدة والإذن له بالهجرة إلى المدينة فذهب إلى رفيق دربه الصديق في واضحة النهار يعلمه بذلك . ونام الفتى الهمام على بن أبي طالب في فراش ابن عمه يفيده بحياته وكان مثالا للشجاعة والفداء . وتجمعوا على بابه ولم يكن هناك مخرج غيره ، لكن حفته عناية الرحمن وخرج r من بين أيدهم بليل سالما وقد حثا التراب على رؤوسهم فناموا . وقام القوم من نومهم ودخلوا بيت النبي r لينهوا ما بدءوه ، وأصابهم الفزع عندما علموا أنه خرج من بين أيديهم سالما . وخرجوا مذعورون يبحثون في كل مكان وقد رصدوا مكافأة لمن يأتيهم به مائة ناقة . وخرج النبي r من مكة حزينا وهو يقول لها : والله إنك لأحب البلاد إليَّ ولولا أن قومك أخرجوني ما خرجت (33) . واختبأ النبي r وصاحبه في غار ثور في أعالي مكة . وقد وصل المشركون إليه وخاف الصديق على رسول الله r وقال : لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا ! فقال الحبيب مطمئنا له : ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟!!! ونزل القرآن بالواقعة قال تعالى : (إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(التوبة:40) . وكان التأييد من الله تعالى . وخرج من مكة بعد ثلاثة أيام وتبعهم سراقة بن مالك طمعا في جائزة قريش ولكن خاب ظنه وأعطاه النبي r الأمان وبشره بسواري كسرى بن هرمز ملك الفرس . وواصل النبي r رحلته إلى المدينة (34) .
[13]

واستقبل النبي r في المدينة استقبالا عظيما ، ونزل في بني عوف من بني النجار بضعة عشرة يوما(35) ثم أراد أن يبني المسجد فتنازع الناس كلُ يريد أن يكون عنده فترك النبي r المكان للقصواء ناقته حيث أنها مأمورة حتى بركت عند مربد للتمر لغلامين يتيمين في حجر أسعد بن زرارة واشتراه منهما وقام المسلمون ببناء مسجد النبي r وحمل معهم r اللبن وجعل قبلته إلى بيت المقدس وجعل له ثلاث أبواب بابا في مؤخره وبابا يقال له باب الرحمة والباب الذي يدخل منه رسول الله وجعل عمده الجذوع وسقفه بالجريد وقيل له ألا تسقفه فقال لا عريش كعريش موسى وبنى إلى جنبه بيوت أزواجه باللبن وسقفها بالجريد والجذوع فلما فرغ من البناء بنى بعائشة في البيت الذي بناه لها شرقي المسجد قبليه وهو مكان حجرته اليوم وجعل لسودة بنت زمعة بيتا آخر (36).
[14]

ثم وحد النبي r بين قلوب المؤمنين فآخى بين المهاجرين ، وألف بين قلوب الأنصار أنفسهم (37) وعاهد يهود المدينة حتى يأمن غدرهم ويحل السلام في المدينة ، ويسد كل باب للفتنة (38). وبهذا ظهرت شخصية الرسول r كقائد عظيم ورسول كريم " يتمتع من الصفات المعنوية والظاهرة ، ومن الكمالات المواهب ، والأمجاد والفضائل ، ومكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال بما جعلته تهوى إليه الأفئدة، وتتفانى عليه النفوس، فما يتكلم بكلمة إلا ويبادر صحابته رضي الله عنهم إلى امتثالها ، وما يصدر من إرشاد أو توجيه إلا ويتسابقون إلى العمل به. بمثل هذا استطاع النبي r أن يبني في المدينة مجتمعاً جديداً أروع وأشرف مجتمع عرفة التاريخ ، وأن يضع لمشاكل هذا المجتمع حلاً تنفست له الإنسانية الصعداء ، بعد أن كانت قد تعبت في غياهب الزمان ودياجير الظلمات. وبمثل هذه المعنويات الشامخة تكاملت عناصر المجتمع الجديد الذي واجه كل تيارات الزمان حتى صرف وجهتها، وحول مجرى التاريخ والأيام (39) .
[15]

ولكن أهل مكة غاظهم ما سمعوه عن النبي r فتحرشوا به عن طريق المنافقين في المدينة وحث اليهود على نقض العهد (40) والنبي r لا يريد إلا دعوة الناس للحق ، ولكن نزل الإذن بالقتال دفاع عن النفس القصة الفائزة بالمركز الثانى(شذا الرياحين من سيرة خير المرسلين) frown.gifأُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (الحج:39) . وأرسل النبي السرية تلوا السرية وشارك في عدد منها وسميت السرية لخلوها من رسول الله ، وسميت غزوة لوجود النبي r فيها . وهذه السرايا والغزوات هي سرية سيف البحر وسرية بطن رابغ وسرية الخرار وسرية الأبواء وغزوة بواط وغزوة سفوان وغزوة العشير وسرية نخلة وكل هذه السرايا والغزوات لم يقتل فيها غير واحد وقد دفع النبي rديته إلى أهله(41) . وادعت اليهود أن النبي r تبعا لهم في قبلتهم فقلب النبي r وجهه في السماء يريد مخرجا فجاء الأمر من الله بتحويل القبلة إلى المسجد الحرام . وشرعت في هذه السنة فريضة الصيام ومن بعدها فريضة الزكاة (42).
[16]

وفي رمضان سنة 2 هـ علم النبي r بخروج أبي سفيان بن حرب بقافلة عليها تجارة لقريش فأراد أن يعترضها عندما رجعت من الشام ومعه ثلاث مائة وبضعة عشرة رجلا . لكن أبا سفيان علم بخروج المسلمين فأرسل إلى أهل مكة يستصرخهم ، واستطاع هو أن ينجو . ولكن قريش خرجت بجيش قوامه ألف مقاتل وعلى رأسهم طواغيت قريش ، وأرسل إليهم أبو سفيان يعلمهم بنجاته لكن عدو الله أبا جهل رفض وأصر على بلوغ بدر ، واستشار النبي r أصحابه ولم يستبد برأيه ، وأشاروا عليها جميعا على المضي قدما ولو خاض برك الغمام لخاضوه معه ، وكانت غزوة بدر الكبرى ونظم النبي r الصفوف ثم خلا في عريشه يدعو ربه ويسأله النصر ، وقد استجاب الله له وأمد بمدد من الملائكة وانتصر المسلمون ، وقتل فيها فراعنة قريش وطواغيتها .وقتل أبوجهل على يد غلامين صغيرين وهما معاذ ومعوذ ابني عفراء . وأسر المسلمون عددا من المشركين ولم يقتلهم النبي r رحمة بهم بعد مشاورة أصحابه ، فمنهم من فاداه بالمال ومنهم تركه مجانا ونزل القرآن بعتاب النبي r بقول الله تعالى : (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (الأنفال:67) .(43)
[17]
وكان r رؤوفا رحيما ودودا كريما حليما عادلا حكيما صادقا أمينا محبا لأمته قد جمعت فيه كل صفات الكمال البشري وقد وصفه ربه بقوله : (وَإِنَّكَلَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم:4) وكان لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمة من حرمات الله ، وكان r زاهدا في الدنيا متواضعا لربه فقد أرسل إليه ربه ملكا ليخيره بين أن يكون ملكا نبيا أو عبدا رسولا ، فاختار الثانية تواضعا لربه . وكان r شجاعا مقداما لا يخشى أحدا إلا الله ، وكان خير زوج على وجه الأرض وخير أب وخير صهر وخير الناس للناس ، وظهرت على يديه معجزات ومعجزات منها تكليمه للشجر والحجر والحيوان والجماد ، ومنها نبع الماء بين يديه وبركة الطعام وانشقاق القمر له ، وغيرها من المعجزات والكرمات . وكانت أعظم معجزة هي القرآن الذي تحدى الله به الإنس والجن على أن يأتوا بحديث مثله . وقد شهد الأعداء له بالكمال البشري وبهرتهم أخلاقه ورسالته ومعاملته ، وكلامه ، والقرآن الذي أنزل عليه . وكان r أحسن الناس وجهاً أبيضا مليحا مستديراً مثل الشمس والقمر وكان أحسنهم خلقاً ، ليس بالطويل البائن ولا القصير ، مربوعاً ،عريض ما بين المنكبين ، كث اللحية ، تعلوه حُمرة ، جمته إلى شحمة أذنيه . إذا نظرت إليه قلت أكحل العينين وليس بأكحل . وكان لا يضحك ملئ فيه ؛ وإنما ضحكه تبسما . وكان لين الكف كالحرير ، وكان عرقه طيبا ، وكان من أحسن الناس عبادة وأكثرهم ذكرا لله وأخشاهم له وأعلمهم به .(44)
[18]

وفي شوال عام 2هـ وصلت الأخبار بأن بني سليم وبعض القبائل احتشدوا لغزوة المدينة فخرج إليهم النبي r
وفر القوم من أمامه ورجع دون قتال (45). وفي هذا الشهر بني بأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي بنت تسع سنين . وكان زواجه هذا محط سخرية وإنكار من أعداء الإسلام حديثا ونسوا أن معظم دول الشرق والغرب عندهم زواج البنت في سن الثانية عشرة قانونا تعمل به كثير من البلاد .(46) . وكاتب كفار قريش يهود بني النضير يحثونهم على نقض العهد واستجابوا لذلك ولم علم النبي r حاصرهم وأجلاهم عن المدينة جزاء الغدر والخيانة . وتطاول كبير اليهود كعب بن الأشرف على رسول الله يهجوه ويسبه بين الناس فانتدب محمد بن مسلمة في قتله فذهب إليه وخدعه حتى احتز رأسه .(47)
[19]
وفي منتصف شوال من عام 3هـ كانت غزوة أحد حيث أخذ أبو سفيان بن حرب يؤلب الناس والقبائل ضد رسول الله r وأهل المدينة وجمع أكثر من ثلاثة آلاف مقاتل وجاءوا بنسائهم تتزعمهن هند بنت عتبة ، واستعد النبي لهم ورأى نتيجة الحرب في منامه ، وكانت خدعة ابن أبي والمنافقين برجوعهم بثلث الجيش فتنة عظيمة ، لكن النبي نظم الصوف وجعل الرماة وهم خمسين على الجبل ونصب عليهم عبد الله بن جبير وأمرهم ألا يبرحوا مكانهم مهما حدث . وبدأت المعركة وحمى الوطيس واشتد الرماة وإذ بجيش مكة الجرار يفر هاربا تاركا وراءه كل شئ فترك الرماة أماكنهم وعصوا أمر رسول الله r وأمر قائدهم ونزلوا يجمعون الغنائم فما كان من خالد بن الوليد ومعه جماعة من الفرسان إلا أن اختل مكانهم وأخذوا يرمون المسلمين فعادت الكرة على المسلمين وفر كثير منهم ، وأحاطوا برسول الله r وكسروا رباعيته وأدموه في وجه ورأسه وقاتلت دونه نسيبة بنت كعب ، وأشيع الخبر أن النبي قد قتل فانهارت عزائم كثير من المسلمين حتى قام أنس بن النضر يحضهم قائلا : موتوا على ما مات عليه رسول الله r ، إن لأجد ريح الجنة دون أحد فقاتل قتالا شديدا حتى قتل ووجدوا فيه أكثر من ثمانين ضربة. وقاتلت الملائكة دفاعا عن النبي r . وجاء أبي بن خلف يريد قتل رسول الله r فأخذ النبي r رمحا وهزه في يده ثم طعن به عدو الله . وقامت فاطمة وعلى بن أبي طالب يغسلان الدم عن رسول الله r . وكان حنظلة الأسدي قد خرج ملبيا النداء وهو على زوجته ولم يغتسل فقاتل حتى قتل وغسلته الملائكة . وكانت الفجيعة الكبرى في هذه المعركة هي قتل سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب عندما قتله وحشي عبد هند بنت عتبة نظير حريته . وانتهت المعركة ولما انقضت الحرب أشرف أبو سفيان على الجبل فنادى : أفيكم محمد ؟ فلم يجيبوه ، فقال : أفيكم ابن أبي قحافة ؟ ، فلم يجيبوه . فقال : أفيكم عمر بن الخطاب ؟ فلم يجيبوه ، ولم يسأل إلا عن هؤلاء الثلاثة ؛ لعلمه وعلم قومه أن قوام الإسلام بهم ، فقال : أما هؤلاء فقد كفيتموهم ، فلم يملك عمر نفسه أن قال : يا عدو الله إن الذين ذكرتهم أحياء ، وقد أبقى الله لك ما يسوءك ، فقال : قد كان في القوم مثلة لم آمر بها ، ولم تسؤني ، ثم قال : اعل هبل .
فقال النبي r : ألا تجيبونه ؟ فقالوا : ما نقول ؟ قال : قولوا : الله أعلى وأجل ، ثم قال : لنا العزى ولا عزى لكم . قال r : ألا تجيبونه ؟ قالوا : ما نقول ؟ قال : قولوا : الله مولانا ولا مولى لكم ، ثم قال أبو سفيان : يوم بيوم بدر والحرب سجال ، فأجابه عمر فقال : لا سواء ، قتلانا في الجنة ، وقتلاكم في النار . وكانت غزوة أحد نصرا للمسلمين وليست هزيمة كما يظنه البعض .(48)
[20]

ولما انصرف المشركون مخذولين حتى بلغوا حمراء الأسد فكروا في إعادة الكرة فبلغ ذلك رسول الله r فندب الناس في الذهاب إليهم فخرجوا معه حتى بلغوا المكان فلم يجدوا أحدا فرجع r. (49) وبعد رجوعه بلغ رسول اللهrأن بني خزيمة أرادت غزوة المدينة أرسل إليهم أبا سلمة فأصابوا إبلا وشاة ولم يلقوا كيدا .(50) . وفي شعبان عام 5هـ أراد الحارث بن أبي ضرار وقومه من بني المصطلق غزو المدينة فتجهز إليهم النبي r وخرج إليهم وقاتلهم وهزمهم حتى فر منهم من فر ووقع الباقي في الأسر . وكانت منهم جويرية بنت الحارث وقد وقعت في سهم ثابت بن قيس فأرادت أن تفدي نفسها بالمكاتبة وذهبت إلى النبي r تستعين به على ذلك فعرض عليها العتق مقابل زواجه منها فقبلت ، وكان في ذلك بعد نظر من رسول الله r فما أن سمع الصحابة بزواجه من جويرية حتى أعتقوا كل بني المصطلق لأنهم أصهار رسول الله r .(51) . وقفل النبي r راجعا وقد تأخرت عائشة عن الركب بحثا عن قرط وقع منها فلم تلحق بالركب فجلست مكانها . وكان صفوان بن المعطل رضي الله عنه يتأخر في نومه فوجد خيمة سوداء فعرفها بفطانة العربي فأناخ لها البعير وذهب بعيدا حتى ركبت ثم قفل بها راجعا إلى المدينة لا ينظر وراءه . ولكن المنافقين كانوا بالمرصاد فما أن وجدهما حتى اتهموهما بالفاحشة إفكا وبهتانا ، وماجت المدينة على هذه الإشاعة الخبيثة ووقع بعض الصحابة فيها وانقطع الوحي شهرا ، وذهبت عائشة إلى بيت أبيها بعدما عرفت بالأمر . ونزل القرآن من فوق سبع سماوات يبرأها ويتعبد المؤمنين بهذه التبرئة .(52)
[21]

وفي شوال من نفس العام الخامس قام أشراف اليهود كسلام بن أبي الحقيق ، وسلام بن مشكم ، وكنانة بن الربيع ، وغيرهم إلى قريش بمكة ؛ يحرضونهم على غزو رسول الله r ويؤلبونهم عليه ، ووعدوهم من أنفسهم بالنصر لهم ، فأجابتهم قريش ، ثم خرجوا إلى غطفان فدعوهم ، فاستجابوا لهم ، ثم طافوا في قبائل العرب ، يدعونهم إلى ذلك . وخرج جموع القبائل إلى المدينة وقوام الجيش كان عشرة آلاف مقاتل على رأسهم أبو سفيان بن حرب . واستشار النبي r أصحابه فأشاروا عليه بحفر خندق حول المدينة . وبدأ الحفر وشارك النبي أصحابه وكان يحمل التراب والحجارة . وفي خضم هذا الخوف اعترضت صخرة عظيمة الحفر فأردوا أن يتحولوا عنها فأمسك النبي r بالفأس وضرب ضربة وقال : الله أكبر فتحت فارس ، ضرب ضربة أخرى وقال : الله أكبر فتحت الشام ، ثم ضرب ضربة أخرى وقال الله أكبر فتحت اليمن . وكأنه يقول لأصحابه لا تخافوا فالأمر سيصل أكثر من ذلك . "ولم تكن خطة محمد r الحربية هذه سبب إعجاب الناس العاديين وحسب ، بل مبعث إكبار من وجهة نظر رجال الحرب المتخصصين. إذ كيف استطاع محمد r استنباط هذه الخطة وإنجازها ، لأن النبوغ ليس في استنباط الخطة وحسب ، بل في تنفيذها أيضاً . فالذين يقيمون في منازلهم ، ويقرأون على صفحات الجرائد الخطط الحربية ، والعمليات العسكرية التي يقوم بها رجال ضد خصومهم لا يقدرون مدى العناء الذي يعانيه القائد في تنفيذ مثل هذه الخطط في ساحة المعركة . وقد كان حفر الخندق في الجزيرة لمنع هجوم جيش معاد جديداً ، يشبه « الفالانج » الذي خططه في معاركه السابقة من حيث الجدة والبراعة" (53)
وجاء المشركون ولم يستطيعوا الدخول وظل الحصار شهرا ، وقد طلب عملاق من عماليق القتال وهو عمرو بن ود المبارزة فلم يقف له إلا علي بن أبي طالب الذي ما إن التقى به حتى ضربه ضربة قتله مع فرسه . وأصيب سعد بن معاذ بسهم فجعل في خيمة امرأة كانت تداوي الجرحى . ونقضت بنو قريظة العهد بتحريض من حيي بن أخطب . واشتد الكرب على المسلمين وهم النبي r بمصالحة غطفان على ثلث ثمار المدينة ولكن الأنصار بشجاعته أبوا ذلك عندما استشارهم النبي r . وقام نعيم بن مسعود ولم يكن عرف إسلامه بعد بإشعال الفتنة بين قريش واليهود . وأرسل الله تعالى على المشركين الريح العاصف فاقتلعت خيامهم وأربكتهم وألقت الرعب في قلوبهم وقرروا الرحيل . وكفى الله المؤمنين القتال .(54) . ولما وضع النبي r سلاحه واغتسل جاءه جبريل وهو يلبس لامة الحرب يقول للنبي r : انهض بمن معك إلى بني قريظة فإني سائر أمامك أزلزل حصونهم . وندب النبي r الناس إلى بني قريظة وأعطى الراية لعلي بن أبي طالب . وحاصرهم النبي r وكانوا حلفاء الأوس وقد طلبوا من النبي r العفو عنهم فقال لهم : ألا ترضون أن يحكم فيهم رجلا منكم ؟ فوافقوا فندب سعد بن معاذ لذلك فجاءوا به في جراحه فقال : فإني أحكم فيهم ، أن يقتل الرجال ، وتسبى الذرية ، وتقسم الأموال ، فقال رسول الله r : لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات . (55) ثم أرسل النبي r بعض أصحابه إلى أبي رافع اليهودي فقتلوه جزاء إيذائه للنبي r وتحريض الناس عليه .(56) وغدر بنو لحيان بعشرة من أصحاب النبي r بالرجيع وتسببوا في قتلهم فذهب إليهم وهربوا في رؤوس الجبال .(57)
[22]

وفي ذي القعدة سنة ست قرر النبي r الذهاب إلى مكة لأداء العمرة هو وأصحابه ولم يذهبوا لقتال ، وعندما وصل للحديبية أرسل عثمان بن عفان لأهل مكة يعلمهم بأنه ما جاء لقتال وإنما للاعتمار ، ولما تأخر عثمان دعا النبي r الصحابة إلى البيعة وسميت بيعة الرضوان ، ولكن قريش أبت دخول النبي r مكة وأرسلت الرسول تلو الرسول حتى جاء سهيل بن عمرو وتم صلح الحديبية بشروطه على : وضع الحرب عشر سنين ، وأن يأمن الناس بعضهم من بعض ، وأن يرجع عنهم عامه ذلك ؛ حتى إذا كان العام المقبل قدمها ، وخلوا بينه وبين مكة ، فأقام بها ثلاثا ، وأن لا يدخلها إلا بسلاح الراكب ، والسيوف في القرب ، وأن من أتانا من أصحابك لم نرده عليك ، ومن أتاك من أصحابنا رددته علينا ، وأن بيننا وبينك عيبة مكفوفة ، وأنه لا إسلال ولا إغلال ، فقالوا : يا رسول الله ! نعطيهم هذا ؟ فقال : من أتاهم منا فأبعده الله ، ومن أتانا منهم فرددناه إليهم جعل الله له فرجا ومخرجا. (58) . وكاتب النبي r بعدها الملوك والرؤساء يدعوهم إلى الدخول في دين الله منهم كسرى ملك الفرس وقيصر ملك الروم والمقوقس ملك مصر والمنذر بن ساوي حاكم البحرين ، وهوذة بن على صاحب اليمامة ، والحرث بن أبي شمر صاحب دمشق ، وملك عمان جيفر وأخيه . فمنهم من دخل في دين الله ومنهم رد الكتاب بلطف ومنهم من تعجرف . (59) . وفي سنة سبع استخلف النبي r على الدينة سباع بن عرفطة وتوجه تلقاء خيبر وكان عامر بن الأكوع ينشد في الطريق . ولما وصل إلى خيبر صلى الصبح وحاصر أهل خيبر حتى نزل مرحب من الحصن وطلب المبارزة فخرج إليه عامر بن الأكوع فقتل ، ثم خرج إليه علي بن أبي طالب فقتل مرحبا . وكان الفتح على يديه . وتزوج النبي r بصفية بنت حيي وبنى بها في الطريق .(60) . وانتدب النبي r أسامة بن زيد إلى الحرقة من جهينة فقاتلهم حتى لاذ منهم رجل بشجرة فلما وقع تحت سيف أسامة نطق بالشهادة فقتله أسامة ، ولما ذكر للنبي ما حدث أنكر عليه وقال له : كيف تفعل بلا إله إلا الله يوم القيامة ؟ .(61) ثم قرر النبي r الخروج إلى عمرة القضاء على حسب الاتفاق مع أهل مكة ، ودخل الصحابة مكة ومعهم النبي r وكانوا يرتجزون في طوافهم وبعد انقضاء العمرة رجع إلى المدينة (62). وبعث النبي r الحارث بن عمير الأزدي بكتابه إلى الشام إلى ملك الروم أو بصرى ، فعرض له شرحبيل بن عمرو الغساني ، فأوثقه رباطا ، ثم قدمه ، فضرب عنقه . فبعث رسول الله r جيشا استعمل عليهم زيد بن حارثة ، وقال : فإن قتل زيد أو استشهد ، فأميركم جعفر ، فإن قتل أو استشهد ، فأميركم عبد الله بن رواحة ، فلقوا العدو عند مؤته فقتلوا جميعا وأمسك بإمارة الجيش سيف الله خالد بن الوليد ودبر مكيدة ثم رجع إلى المدينة سالما بمن معه .(63)
[23]

ونقضت قريش الصلح وقرر النبي r الذهاب إلى مكة على جيش قوامه عشرة آلاف مقاتل ، وكان فتحا عظيما من أعظم فتوحات التاريخ ، فقد دخلها بلا قتال ، وطاف النبي r بالبيت وهو يهدم الأصنام حول الكعبة قائلا : قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا . ولما ظن أهل مكة بهلاكهم ووقفوا مذعورين أمام النبي r وإذا يفاجئهم بقوله : اذهبوا فأنتم الطلقاء . وقال من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل الكعبة في آمن . وخطب خطبة في الحرم وحرم زواج المتعة.(64) وتجمعت هوزان وثقيف وبعض القبائل الأخرى في حنين لقتال النبي r ، وخرج إليهم وقد أعجب المسلمون بكثرتهم وظنوا أنهم لن يغلبوا ، فكانت النتيجة هزيمتهم وفرارهم من أمام أعدائهم ، بينما وقف النبي r صامدا وهو يقول : أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب ، وأمسك بحفنة تراب ورماها في وجه القوم قائلا : شاهت الوجوه . ورجع المسلمون وقاتلوا قتالا شديدا وانتصروا على عدوهم وجمعوا الغنائم . وقام النبي r بتوزيع الغنائم كلها على أهل مكة ، فوجد الأنصار في أنفسهم شيئا من ذلك ولما علم النبي r جمعهم وأثنى عليهم ثم قال لهم : أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير ، وترجعون برسول الله r في رحالكم ؟ فوالدي نفس محمد بيده لولا الهجرة ؛ لكنت امرأ من الأنصار ، ولو سلك الناس شعبا ، وسلكت الأنصار شعبا ، لسلكت شعب الأنصار ، اللهم ارحم الأنصار ، وأبناء الأنصار ، وأبناء أبناء الأنصار ، فبكى القوم حتى اخضلوا لحاهم ، وقالوا : رضينا برسول الله قسما وحظا ، ثم انصرف رسول الله r وتفرقوا . (65) ثم تتبع النبي r المشركين إلى الطائف ورجع إلى المدينة بعد ذلك .
وأراد هرقل ملك الروم أن يغزو بلاد العرب للقضاء على النبي r وصحبه فسير جيشا قوامه أربعون ألف مقاتل ، فلم علم النبي r بذلك ندب المسلمين بالسير إليه ، وكانوا في عسرة من نقل الصحابة هذه المسافة البعيدة فقام عثمان بن عفان بتجهيز الجيش ويسمى بجيش العسرة . وقال له النبي r : ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم . واستخلف على المدينة علي بن أبي طالب ، وسار الجيش في رجب سنة 9 هـ حتى وصل إلى تبوك شمال الجزيرة ، وصالح النبي r أهل إيلة وأهل جربا على أن يعطوا الجزية ،وأيقنت القبائل التي كانت تعمل لحساب الرومان أن اعتمادها على سادتها الأقدمين قد فات أوانه ، فانقلبت لصالح المسلمين ، وهكذا توسعت حدود الدولة الإسلامية ، حتى لاقت حدود الرومان مباشرة ، وشهد عملاء الرومان نهايتهم إلى حد كبير . وكفى الله المؤمنين القتال ورجع النبي r إلى المدينة وكانت هذه آخر غزواته . (66)
[24]

قرر النبي r في السنة العاشرة الذهاب إلى أداء الحج فعلم الصحابة وبذلك وعلمت القبائل وأتوا المدينة للحج مع رسول الله ، فتحرك الركب حتى وصل ذا الحليفة فأحرم منها المسلمون وتوجهوا إلى مكة ، وطافوا وسعوا مع النبي r ثم توجه إلى منى وبات فيه ، وبعدها توجه إلى عرفات وخطب خطبة الوداع المشهورة حرم فيها قتل النفس والربا وأوصى بالنساء خيرا وبالتمسك بالكتاب والسنة . ونزل عليه قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِيناً )(المائدة: من الآية3) وتمت المناسك ورجع r إلى المدينة .(67)
وفي آخر شهر صفر سنة 11هـ شهد رسول الله r جنازة في البقيع ، فلما رجع ، وهو في الطريق أخذه صداع في رأسه ، واتقدت الحرارة، حتى إنهم كانوا يجدون سَوْرَتَها فوق العِصَابة التي تعصب بها رأسه‏.‏(68) . واستأذن أزواجه أن يمرض في بيت عائشة فأذن له .(69) وأمر أن يصلى أبا بكر بالناس . وصلى النبي r بجواره (70). ثم دخل بيته وأمر بماء بارد بجواره . ثم لما حضرت الصلاة اغتسل وأراد أن يخرج فأغمي عليه . ولما أفاق أعاد الكرة فأغمي عليه ثلاث مرات من شدة الحمى (71). وكان يوم الاثنين ، وأبو بكر يصلي لهم ، ولم يفجأهم إلا رسول الله r ، قد كشف ستر حجرة عائشة ، فنظر إليهم وهم في صفوف الصلاة ، ثم تبسم يضحك ، فنكص أبو بكر على عقبيه ، ليصل الصف ، وظن أن رسول الله r يريد أن يخرج إلى الصلاة ، فقال أنس : وهم المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحا برسول الله r ، فأشار إليهم بيده رسول r : أن أتموا صلاتكم ، ثم دخل الحجرة ، وأرخى الستر (72). وكان يعالج سكرات الموت قائلا : الله أكبر إن للموت لسكرات . وكان من آخر كلماته : اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق ، ثم توفي في ذلك اليوم في حجر عائشة ما بين سحرها ونحرها رضي الله عنها .وانقطع الوحي بعده r (73) ونزل الخبر على الصحابة كالصاعقة ، وهدد عمر بن الخطاب من يقول ذلك ، وأرسلوا إلى أبي بكر في عوالي المدينة فجاء وكشف الغطاء عن وجهه الكريم فقبله ثم قال : بأبي أنت وأمي ، طبت حيا وميتا ، والذي نفسي بيده لا يذيقك الله الموتتين أبدا، ثم خرج فقال : أيها الحالف على رسلك ، فلما تكلم أبو بكر جلس عمر ، فحمد الله أبو بكر ، وأثنى عليه وقال : ألا من كان يعبد محمدا r فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد الله ، فإن الله حي لا يموت ، وقال : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) ، وقال : (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) قال : فنشج الناس يبكون .ثم اجتمع الناس في سقيفة بني سعادة لتولية أحد بعد رسول الله r ، وبعد مناوشات اتفقت آراؤهم على أبي بكر الصديق خليفة لرسول الله r لما له من المنزلة العظيمة عند رسول الله r . (74) . وبعد ثلاثة أيام شرعوا في دفن رسول الله r فاختلفوا في مكان دفنه وكان الحل عند أبي بكر حيث ذكر لهم قول النبي r : لا يقبر نبي إلا حيث يموت . فتقرر دفنه في حجرة عائشة رضي الله عنها .(75)
وبهذا نكون قد انتهينا من سيرة خير الناس r في هذه الصفحات القليلة نسأل الله تعالى التوفيق والسداد إنه على كل شئ قدير . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وكتبه
أبوحسام الدين

hgrwm hgthz.m fhglv;. hgehkn(a`h hgvdhpdk lk sdvm odv hglvsgdk)

la princesse غير متصل   رد مع اقتباس
أضف رد جديد


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
شوف نفسك أنت من أي شجرة..وأعرف شخصيتك SIMO المنتدى العام 10 2012-09-19 02:21 PM
من اي شجره انت ؟ l3lo3 قضايا وحوارات 12 2009-12-23 12:24 AM
حلل شخصيتك من شجرتك .. لا تفوتكم.. اسير الاحزان المنتدى العام 0 2007-06-21 03:35 PM
من اى شجره انت لازم تدخل امير الحب فرفشة 10 2007-03-04 08:01 PM
أَيٌ شَجَرَةِِ أَنْتَ / اَنْتِى 3aShe2 المنتدى العام 6 2006-12-31 12:54 PM


Internal & External Links

الساعة الآن 05:16 PM.
Powered by vBulletin Version 3.8.11
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd
استضافة , دعم فنى